علاء الساعدي
مثل عادة كل يوم، ننتظر الباص صباحا، ليأخذنا إلى حيث العمل في ذلك المكان من تلك المدينة، المدينة المكتظة بالناس، حيث الغالبية الكادحة التي تعيش في هذه البقعة المملوءة بصخب الأصوات! أصوات تخرج من حناجر تعدد صداها في كل الأوقات طلباً للرزق والمعيشة.
ما هي إلا دقائق! وقد أتى! بعد وقوف على الرصيف سادته التأملات والنظرات في ضجيج الشارع وازدحاماته، بمركباته ودراجاته، فمنها التي تسير بعكس الطريق، ومنها التي تلتزم بقانون الطريق.
وقف باص النقل المخصص لنا من دائرتنا، صعدتُ مُحيياً الجميع بتحية الإسلام، وبعد الجلوس، كما هي العادة نصبّح بعضنا البعض بصباح الله الذي كله خير، لتأخذنا بعدها كلمات السؤال المتبادل عن الحال، لتعكس صورة من الألفة التي اعتدنا عليها، منذ أن صارت هذه المحطة مكان عملنا الدائم، والتي تعمل على تصفية الماء الخام، القادم لمحطتنا عن طريق الضخّ من محطات الماء الخام الأخرى، لنقوم بدورنا كمراقبين، ومشرفين، ومصلحين لكل المعدات والمضخات التي تحتاج الصيانة، وإدامة الأحواض وآليات العمل فيه بتخليصه من الرمل والأطيان وتصفيته، وتحويله إلى ماء شرب صالح نضخّه إلى الناس في هذه البقعة المزدحمة.
ونحن في هذا الطريق المعتاد، تصادفنا حالات، نراها فنتحدث بها، نتداول أخبارها، حالات إنسانية وأخرى تخصّ واقعنا الخدمي المؤلم، وإذا بأمر ما لفت انتباهي، وأثار في داخلي حالة من التأمل والحزن واللهفة مجتمعة! ومنهم من أثارت فيه المزحة! بعد أن نادى السائق بصوته وكأنه يثني على شخص ما، رأينا منه تصرفاً ليس كالمعتاد في هذا الطريق، وكما هي طريقة الهزل عند السائق الذي نطق بكلمتين خرجتا عفوياً بطريقته المعتاده، مفردتان سهلتان لكنهما عميقتان! أثارتا أشجاناً وأحزاناً كأنهما صرختان!
بعد أن مررنا بأحد التقاطعات ضمن هذه المدينة في طريق الذهاب إلى محطة التصفية، هذا التقاطع المزدحم الذي اعتدنا عليه، بكل صخبه وصيحاته، وأصوات منبهات السيارات المزدحمة تعلو دون اكتراث للذوق العام، لتضطر الباص للتوقف بسبب تكدس السيارات، فنتأخر فيه، فنشاهد كل شاردة وواردة تحدث أمامنا.
يوجد في هذا التقاطع، تجمع من الكادحين البسطاء، عمال البناء، الذين ينتظرون يومياً بفارغ الصبر بروحهم السامية، آملين مرتقبين إلى من يأتي إليهم، ليصحبهم إلى فرصة عمل في هذا اليوم، وفي كل يوم كما هي العادة في هذا المكان، فهؤلاء كلهم ينتظرون تلك الفرص أن تأتي إليهم.
منهم من يتابع من بعيد وينتظر! ومنهم من هو جالس على الرصيف، واضعاً أدواته الخاصة في العمل وعدته الكاملة ويترقب وينتظر! ومنهم من هو واقف بكل عدته، مستعدا، متهيئا، قريباً من الشارع الذي يأتي فيه مُريدي العمال وينتظر! فحينما يأتي ذلك الشخص الذي سيزيل عنهم تعب الصبر وطول الانتظار، سيختارهم، سيزيح همهم، ولكنه سيأخذ الأفضل والأكثر استعداداً لما يناسب عمله، وتفاصيل إرادته التي يريدها في هذا العمل، فالواقف المتهيئ المتجهّز فرصته تامة، ليحجز مقعد العمل في سيارة الشخص الكبيرة "صاحب العمل" فيتقدم على الجميع في ذلك، وما أن رأى السائق حال هذا العامل المجتهد بهذا الاستعداد، لنيل فرصة العمل التي سبق الجميع في ذلك، حتى صاح السائق: هذا الانتظار، هذا الانتظار!!
يا ترى! هل أيقضتنا مفردة الانتظار التي نطق بها السائق، وهزّت الذاكرة الخاملة الجاحدة لإمام الزمان عند الأعم الأغلب؟ فإمام زمانكم في الطريق إليكم! متشوق إليكم، كما تنتظرونه وتتشوقون لرؤيته؛ فهو ينتظركم!ليشرّفكم أن تكونوا من أنصاره وأعوانه والمتهيئين له، لإقامة دولته؛ دولة العدل الإلهي التي سيبيد فيها ظلم الظالمين وجور الجائرين، ليحقق فيها ثارات الحق والعدل لتمحو كل آثار الباطل، ففي أي خانة من خانات الانتظار أنتم؟ وأي تهيؤ وأي استعداد عليه صرتم؟...، فهنيئاً لمن كان مثل العامل الواقف المستعد المترقب.
https://telegram.me/buratha
