مهند ال كزار
يشهد النظام الدولي تطورًا جديدًا في مسار التعاطي مع الملف النووي الإيراني، بعدما فشل مجلس الأمن الدولي في تمرير مشروع قرار يمدد تعليق العقوبات بشكل دائم على طهران. هذا الفشل أعاد إحياء النقاش حول آلية الزناد المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن 2231، ما يفتح الباب أمام عودة شاملة للعقوبات في 28 سبتمبر 2025.
هذا التطور يطرح تساؤلات حول مستقبل إيران السياسي والاقتصادي، وحول خريطة التوازنات في الشرق الأوسط، في ظل ما يُطلق عليه البعض مشروع "الشرق الأوسط الجديد" وفق الرؤية الترامبية التي تزاوج بين الأمن والتنمية والاستقرار.
أولًا: خلفية القرار
في 19 سبتمبر 2025 فشل مجلس الأمن في تمرير قرار يمنح إيران رفعًا مؤبدًا للعقوبات، ليبقى مسار "الحصار الدولي" هو المرجح، تفعيل آلية الزناد جاء بمبادرة من الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) التي اتهمت طهران بعدم الالتزام بتعهداتها النووية. هذه الآلية تمنح المجتمع الدولي حق إعادة فرض العقوبات الأممية تلقائيًا خلال 30 يومًا، ما لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية.
ثانيًا: التداعيات المحتملة على إيران
1. اقتصاديًا:
عودة العقوبات ستعني تجميد التعاملات المالية الدولية، انخفاض صادرات النفط، وتشديد القيود على حركة الاستثمارات.
هذا سيدفع الاقتصاد الإيراني أكثر نحو محور الصين وروسيا، مع تقليص فرص الانفتاح على أوروبا.
2. سياسيًا:
النظام الإيراني سيواجه ضغطًا داخليًا متزايدًا مع ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع قيمة العملة.
خارجيًا، قد يُضطر إلى إعادة التموضع في مفاوضات مستقبلية أو إلى تصعيد إقليمي عبر أوراق النفوذ في العراق، لبنان، اليمن.
3. استراتيجيًا:
تفعيل العقوبات يتقاطع مع مشروع "طوق الحصار" الذي يُراد به تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، الرؤية الترامبية تسعى لربط الأمن الإقليمي بالتنمية الاقتصادية، وهو ما يتقاطع مع بعض التصورات العربية للأمن الجماعي.
ثالثًا: الأبعاد الإقليمية
العالم العربي: دول الخليج ستنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها فرصة لتقليص المخاطر الإيرانية، لكنها في الوقت ذاته تخشى من أي رد فعل عسكري أو أمني قد يهدد استقرار أسواق الطاقة.
إسرائيل: ترى في هذا المسار تعزيزًا لاستراتيجيتها الرامية إلى تحجيم البرنامج النووي الإيراني.
تركيا ومصر: رغم انشغالهما بملفات داخلية وإقليمية أخرى، إلا أن مصلحتهما تكمن في إبقاء إيران تحت ضغط، لتقليص التمدد الشيعي السياسي.
رابعًا: البعد الدولي
الولايات المتحدة: تعتبر عودة العقوبات انتصارًا لمقاربتها القائمة على الضغط الأقصى.
روسيا والصين: من المرجح أن تعارضا هذا التوجه، لكنهما ستسعيان إلى استثماره لمزيد من ربط إيران بمحور الشرق في مواجهة الغرب.
أوروبا: موقفها معقد، فهي بين حاجتها للنفط الإيراني ورغبتها في فرض الانضباط على طهران.
إعادة إيران إلى "كهف الحصار" الدولي ليست مجرد خطوة عقابية، بل تعبير عن إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية والدولية، ورغم أن العقوبات تمثل ضغطًا خانقًا، إلا أن طهران قد تجد فيها فرصة لتعزيز علاقاتها مع الشرق، وتوسيع أدوات نفوذها في المنطقة.
يبقى السؤال المركزي: هل ستؤدي هذه الخطوة إلى تغيير سلوك إيران بما يخدم الرؤية الترامبية في الشرق الأوسط، أم أنها ستدفع نحو مزيد من التشدد في المواقف، وتوتر لدى واشنطن وحليفتها تل أبيب؟
مهند ال كزار
ماجستير علاقات دولية ودبلوماسية
https://telegram.me/buratha
