رياض سعد
تتناول هذه المقالة الموجزة أسباب ودوافع القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، ومعها الحلفاء الإقليميون مثل تركيا وعدد من الدول العربية، في الضغط باتجاه حل الحشد الشعبي العراقي أو القضاء على فصائل المقاومة الاسلامية في الوقت الحالي ، بالتوازي مع دعم صريح ومستمر لقوى مسلحة أخرى كالميليشيات الكردية (البيشمركة) والجماعات السنية المرتبطة ببعض المحاور الإقليمية ( حرس نينوى) ... .
وتهدف هذه المقالة إلى تحليل هذا التوجه ضمن إطار الصراع الإقليمي والدولي على العراق، وتداعياته الأمنية والسياسية، مع التركيز على العامل الطائفي – العقائدي الذي يشكل جوهر هذا التوجه.
مقدمة:
منذ تأسيس الحشد الشعبي العراقي في عام 2014، استجابةً لفتوى المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف ، تحوّل هذا الكيان إلى عنصر أساسي في المعادلة الأمنية العراقية، بعد أن لعب دورًا حاسمًا في صد اجتياح تنظيم داعش وسيطرته على ثلث مساحة البلاد.
غير أن النجاحات التي حققها الحشد لم تكن موضع ترحيب دائم لدى القوى الدولية والاقليمية ، التي بدأت تدريجيًا بإعادة تعريف الحشد في سردياتها السياسية، من "قوة وطنية" إلى "مشكلة أمنية"، في إطار أجندة تستهدف نزع السلاح من البيئة الشيعية الحركية، مقابل غض الطرف – بل والتشجيع – على سلاح الجماعات الكردية والسنية.
أولاً: التناقض الأميركي في التعامل مع الجماعات المسلحة
دعم البيشمركة بالسلاح والمال:
تشير تقارير رسمية إلى أن الولايات المتحدة قد زودت قوات البيشمركة بمئات الشحنات من الأسلحة المتوسطة والثقيلة، إلى جانب تمويل مباشر عبر البنتاغون.[1]
البيشمركة تعمل خارج نطاق وزارة الدفاع العراقية، وتخضع بالكامل لسلطة حكومة إقليم كردستان الانفصالية ، ما يعني أنها قوة موازية ولكن مقبولة أميركيًا.
غض الطرف عن الفصائل السنية المسلحة:
العديد من "قوات العشائر" في المناطق الغربية تتلقى دعمًا استخباريًا وتمويليًا من أطراف خليجية، دون اعتراض أميركي فعلي.[2]
شيطنة الحشد الشعبي:
تُستخدم وسائل الإعلام الغربية لترويج سردية تعتبر الحشد "ذراعًا إيرانيًا"، متجاهلةً السياق الوطني الذي وُلد فيه، والدور الذي أدّاه في هزيمة داعش.
ثانيًا: الأهداف الاستراتيجية وراء الضغط على الحشد
تفريغ البيئة الشيعية من أدوات الدفاع الذاتي:
تاريخيًا، كانت المناطق الشيعية العراقية أكثر عرضة لهجمات الجماعات التكفيرية، وبدون الحشد، تصبح هذه المناطق مكشوفة أمنيًا.
ضرب النفوذ الإيراني عبر استهداف حلفائه:
رغم أن الحشد لا يتبع رسميًا لإيران، إلا أن واشنطن ترى فيه امتدادًا لقوى "الممانعة"، وتستهدفه ضمن سياسات "الاحتواء".
ضمان وجود قوات مركزية ضعيفة يمكن التحكم بها:
تسعى واشنطن إلى عراق يخلو من مراكز قوة غير خاضعة للتنسيق الكامل مع السفارات الأجنبية، وهو ما لا يتوفر في الحشد الشعبي.
ثالثًا: مقارنة بالحالة الإسرائيلية
في الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة على نزع سلاح المقاومة الشيعية في العراق، فإنها تدعم تسليح المدنيين الإسرائيليين في المناطق المتوترة في فلسطين [3]
هذا التناقض يُظهر أن "الدولة" في المفهوم الأميركي ليست سوى أداة مصلحية، يُعاد تعريفها حسب الجهة التي تملك السلاح: فإذا كان "الحليف" مسلحًا، فالسلاح "حق دفاعي"، وإذا كان "الخصم" يملك السلاح، فهو "خطر على الاستقرار".
رابعًا: مخاطر نزع سلاح الحشد الشعبي
عودة الإرهاب إلى المدن الشيعية:
تجارب الماضي تُظهر أن التفكيك الأمني في البيئة الشيعية يؤدي إلى فراغ تملؤه خلايا نائمة ومجموعات تكفيرية.
انهيار المعادلة الردعية:
وجود الحشد يشكل توازن ردع أمام تدخلات إقليمية محتملة من تركيا أو سوريا او غيرها في شمال وغرب العراق.
تهديد الوحدة الوطنية:
إن سحب سلاح الحشد دون مساس بسلاح الآخرين يعمّق الانقسام الطائفي ويقوّض الثقة بالدولة.
خاتمة وتوصيات:
الحشد الشعبي ليس مجرد تشكيل مسلح، بل هو تحصين اجتماعي وعقائدي وأمني للبيئة الشيعية العراقية، وهو نتيجة ظرف تاريخي فرضته الحرب على الإرهاب.
وإن أي محاولة لحله أو دمجه دون ضمانات وطنية كاملة ومتوازنة بين كل الأطراف العراقية، لن تكون سوى خطوة لتجريد فئة معينة من أدوات الدفاع، وإعادة فتح الباب أمام مشاهد الفوضى والإبادة الطائفية.
التوصيات:
الحفاظ على استقلالية الحشد ضمن الإطار القانوني الرسمي.
مراجعة العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة على أساس الندية.
فضح التناقض الأميركي في المحافل الدولية عبر الدبلوماسية الشعبية والرسمية.
المطالبة بنزع سلاح كل القوى الموازية بالتساوي، أو تثبيت التوازن في الساحة العراقية.
....................................................
الهوامش والمراجع:
[1] Congressional Research Service Report, “US Military Support for Kurdish Peshmerga”, 2023.
[2] Institute for the Study of War, “The Role of Sunni Tribal Forces in Iraq”, 2022.
[3] Al Jazeera English, “Israel approves firearms for civilians amid rising tensions”, May 2023.
[4] مركز الدراسات العراقية – بغداد، "سلاح المقاومة في العراق: الأبعاد الإقليمية"، العدد 7، 2024.
[5] صحيفة الغارديان، "واشنطن والحشد: رواية مزدوجة المعايير"، كانون الأول 2023.
https://telegram.me/buratha
