في خضم الحرب المستمرة على قطاع غزة ، أصدرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بياناً رسمياً حول ما عُرف إعلامياً بـ “صفقة ترامب للسلام”.
البيان حمل لغة سياسية هادئة غير معهودة في بيانات الحركة السابقة، ما يجعله محطة مهمة تستحق التوقف والتحليل ، خصوصاً في ظل ما يحمله من مؤشرات لما قد يجري في المرحلة المقبلة .
البيان تضمّن مجموعة من النقاط الجوهرية ، أبرزها موافقة حماس على إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين – أحياءً وأمواتاً – وفق صيغة تبادل تضمنتها المبادرة الأمريكية ، إضافة إلى القبول بتسليم إدارة غزة إلى هيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط) قائمة على التوافق الوطني .
كما أكد البيان على استعداد الحركة للدخول في مفاوضات عبر وسطاء لمناقشة التفاصيل .
هذه النقاط تكشف عن مرونة سياسية غير مسبوقة، قد تكون الأولى من نوعها منذ عقود .
فالحركة ، التي اعتادت أن ترفض أي مبادرات مرتبطة بالولايات المتحدة ، اختارت هذه المرة أن تُظهر نفسها كطرف مسؤول يسعى إلى وقف العدوان وحماية المدنيين ، حتى لو كان الثمن التخلي عن بعض الملفات الحساسة .
لكن خلف هذه “المرونة” يبرز سؤال محوري : هل يعني ذلك أن الحرب انتهت بالفعل؟
الواقع يشير إلى العكس . فما حدث يبدو أقرب إلى مناورة تكتيكية من الطرفين ، أكثر من كونه حلاً دائماً .
حماس تريد وقف النزيف الإنساني ، وإسرائيل تسعى إلى استعادة أسراها بأي ثمن ، بينما الولايات المتحدة – من خلال ترامب – تبحث عن إنجاز سياسي سريع يُسوّق على أنه “اختراق تاريخي” .
الخطر الأكبر يكمن في ما بعد غزة .
فإذا حصلت إسرائيل على مبتغاها في ملف الأسرى ونجحت في فرض تهدئة نسبية داخل القطاع ، فإن ذلك قد يكون مجرد “استراحة محارب” قبل فتح جبهة جديدة .
الأقرب إلى المنطق أن تتركز الخطوة المقبلة على لبنان، حيث يشكل حزب الله التهديد العسكري الأهم على إسرائيل .
التصعيد قد يبدأ بضربات محدودة و اغتيالات ، لكنه قد يتدحرج إلى مواجهة أوسع .
أما العراق فيبقى ساحة محتملة لاحقاً ، لكنه أكثر ارتباطاً بالقرار الأمريكي المباشر من القرار الإسرائيلي ، نظراً لتعقيدات الوضع هناك وتشابك المصالح الدولية .
من هنا .. يمكن القول إن بيان حماس لا يُقرأ فقط كخطوة لوقف الحرب ، بل كجزء من مشهد إقليمي أكبر يُعاد ترتيبه .
فبينما يراه البعض بوابة لإنهاء الصراع في غزة ، قد يكون في الحقيقة مقدمة لمرحلة أشد تعقيداً وهذا الواقع ، عنوانها الأساسي “ غزة تهدأ … ولبنان يشتعل”
https://telegram.me/buratha
