المقالات

سوريا بين طمس الهوية وهيمنة العقل الصحراوي والتكفيري

128 2025-09-16

رياض سعد

بعد سقوط نظام الأسد، برزت في الاشهر الأخيرة تحولات خطيرة تهدد التركيبة الديموغرافية والثقافية السورية... ؛ فقد بدا واضحاً أن هناك تلاعباً مقصوداً بالهوية السكانية، يتجلى بدءاً من تركيبة ما يسمى بـ"حكومة أحمد الشرع (الجولاني)"، التي تضم في معظمها عناصر ذات جنسيات أجنبية، وصولاً إلى عشرات الآلاف من المرتزقة الأجانب الذين مُنحوا الجنسية السورية لأهداف سياسية وأمنية، وانتهاءً بعمليات النزوح الداخلية المنظمة من الأطراف والبوادي إلى قلب المدن السورية والمدن الساحلية .

هذا التدفق لم يقتصر على حركة انتقال سكانية طبيعية، بل حمل معه تراثاً بدوياً صحراوياً متشدداً، وأفكاراً سلفية أصولية، تعمل السلطة الحالية على رعايتها وتغذيتها، لتفرض نفسها على المدن الحضارية كسلوكٍ بديل، ولتجعل من أنماط العيش الخشنة قاعدة على حساب الإرث الاجتماعي الراقي والثقافة المدنية السورية.

إن ما يجري اليوم هو عملية ممنهجة لطمس الهوية الثقافية والتاريخية السورية، حيث تُستبدل الرموز المدنية والثقافية بمنطق القبيلة والشيخ والسيف ... ؛ أدوات هذه العملية واضحة: القمع، الترهيب، التكفير، الإقصاء، والقتل الجماعي... ؛ بل وصل الأمر إلى عمليات ترحيل وتهجير قسري للفئات غير المرغوب بها – من علويين وشيعة ودروز وغيرهم – ليحل محلهم الأجانب والدخلاء ومن لف لفهم ، في مخطط يراد له أن يغير وجه سوريا الديموغرافي والثقافي ويعيدها قروناً إلى الوراء بحجة احياء الدولة الاموية .

إن ما يجري ليس مجرد تبدل في السلطة، بل هو استعارة تاريخية لبعث "سوريا الأموية" بوصفها نموذجاً للحكم الأحادي المتسلط ، حيث تُختزل الدولة في قبيلة وزعيم وسيف... ؛ إنها محاولة لإعادة إنتاج نظام هيمنة رجعي متخلف، يقوم على إقصاء الآخر المختلف، ومصادرة حقوقه المدنية والدستورية، وصولاً إلى ممارسة الإبادة الجماعية والتعذيب والتهجير.

لكن إنقاذ سوريا لا يكون بالعودة إلى خطاب نظام الأسد وحزب البعث ، الذي هو الآخر أسهم في إضعاف الثقافة المدنية وتشويه الهوية الوطنية... ؛ المطلوب اليوم هو بناء خطاب تنويري بديل، تتبناه نخب فكرية وثقافية حرة، قادرة على انتشال البلاد من هيمنة "العقل الصحراوي المستبد"، وفك ارتباطها بالأوهام التاريخية وخرافات السيف والقبيلة.

نعم إن المهمة شاقة، لكنها ليست مستحيلة... ؛ فالتاريخ علمنا أن الشعوب قادرة على النهوض مهما كان الخراب شاملاً... ؛ ان ما يحتاجه الشعب السوري اليوم هو ثورة مضادة وبديلة ؛ ثورة تبدأ من المقاومة الفكرية والمعرفية، ومن إعادة سوريا رويداً رويداً إلى خارطة الحضارة والمدنية، بعد أن مزقتها العقول الهمجية القادمة من الصحراء ومن دهاليز المخابرات الاجنبية المظلمة ؛و المحمّلة بالثأر والكراهية والانتقام والاجرام .

إن الرهان على سوريا ليس مجرد رهان سياسي أو عسكري، بل هو رهان على الثقافة والمدنية، وعلى استعادة دورها كجسر حضاري وإنساني في الشرق... ؛ فإما أن تنتصر سوريا للإنسان وللعقل وللحرية، وإما أن تُسحق تحت ثقل البداوة والهمجية والتكفير والطائفية .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك