المقالات

نزع سلاح الشيعة... حين يصبح الحشد عقبة أمام مشروع التفكيك

132 2025-08-23

رياض سعد

في الوقت الذي تسلّح فيه "إسرائيل" مواطنيها وتوزّع عليهم الأسلحة تحسّبًا للطوارئ الأمنية، وتواصل الولايات المتحدة دعمها العسكري العلني لقوات البيشمركة الكردية، وتغضّ الطرف عن تمويل وتسليح الجماعات السنيّة المسلحة - حرس نينوى وغيرها - المرتبطة بدول إقليمية معروفة، نجد الضغوط الأميركية والغربية تتزايد بإلحاح لافت باتجاه حل الحشد الشعبي العراقي والقضاء على فصائل المقاومة الشيعية ... ؛ وإضعافها تحت عناوين ظاهرها "الدولة"، وباطنها تفريغ الساحة من آخر أدوات الردع الاستراتيجي التي يملكها الشيعة العراقيون.

إن هذا التناقض الفاضح بين التساهل مع المليشيات الكردية والسنيّة من جهة، والاستهداف الممنهج للمقاومة الشيعية من جهة أخرى، لا يمكن قراءته بمعزل عن الهندسة الأمنية والسياسية التي تسعى واشنطن وشركاؤها الإقليميون إلى فرضها على العراق... ؛ فالمعادلة واضحة: المطلوب عراقيون ضعفاء، لا يملكون سوى "جيش بروتوكولي" مرتهن سياسيًا وأمنيًا، ومفرغ من أي بعد عقائدي أو ارتباط شعبي... ؛ والمطلوب أكثر: نزع سلاح الشيعة تحت ذريعة "حصر السلاح بيد الدولة"، في الوقت الذي تُسلّح فيه جهات أخرى خارج تلك الدولة.

وبينما تواصل الإدارة الأمريكية دعمها العلني لقوات البيشمركة بالسلاح والتمويل، وفي ذات الوقت الذي سلمت فيه مفاتيح دمشق لجبهة النصرة الإرهابية تحت عناوين "المعارضة المعتدلة" بل وتعترف بكافة مكونات الحكومة السورية الارهابية الجديدة والتي اسست على جماجم الضحايا ودماء الابرياء ... ؛ نجدها تمارس ضغوطًا متصاعدة على حكومة بغداد لحل الحشد الشعبي أو مواجهة فصائل المقاومة الاسلامية ، رغم كونه السدّ المنيع الذي وقف بوجه داعش والتنظيمات التكفيرية وصان وحدة العراق، عندما تفكّك الجيش الرسمي وسقطت الموصل.

ولا يمكن تجاهل أن الحديث المتكرّر عن تفكيك الحشد الشعبي، أو تقليص فصائله وتجفيف منابعه، يأتي في سياق إعادة تهيئة الأرضية الأمنية لعودة الفوضى، أو على الأقل ضمان بقاء العراق بلدًا بلا أنياب... ؛ فالمقاومة الشيعية أثبتت في السنوات الأخيرة أنها قوة مزعجة للمشروع الأميركي – التركي – الخليجي، لأنها خارجة عن هيمنة السفارات، ومتصلة بعمق شعبي وعقائدي، ولأنها أيضًا تشكل تهديدًا صلبًا أمام مخطط إضعاف المركز العراقي لصالح المحاور الطائفية والإثنية والعرقية والانفصالية ... .

من جهة أخرى، فإن سجلّ العلاقة بين واشنطن والمكوّن الشيعي العراقي بحاجة إلى وقفة جادة... ؛ فقد بدأ المشهد مع إسقاط نظام صدام كخدمة استراتيجية كبرى، ظنّ الشيعة العراقيون أنها مفتاح عهد جديد، فإذا بهم بعد سنوات يتحولون إلى هدف يومي لسياسات التفكيك والتشويه والحصار... ؛ فما الذي تغيّر؟ ولماذا هذا التحول الحاد؟

الحقيقة أن الولايات المتحدة، ومن ورائها "الناتو العربي – العبري"، لم تتقبل يوماً أن يخرج العراق من تحت عباءتها إلى فضاء مستقل، وأن يمتلك الشيعة أدوات القوة والقرار، وأن تصبح المقاومة رقماً صعباً في المعادلة العراقية والإقليمية... ؛ لذلك جاء الاستهداف المنظّم: إعلاميًا (شيطنة الفصائل)، سياسيًا (فرض قرارات نزع السلاح)، أمنيًا (قصف مقرات الفصائل)، اقتصاديًا (تجفيف التمويل).

إن ما يجري ليس ملفاً عراقياً داخليًا، بل هو جزء من صراع أوسع بين محورين:

محور يريد عراقًا ضعيفًا تابعًا، بلا حشد ولا عقيدة ولا مقاومة.

ومحور آخر يؤمن بعراقٍ موحد ذي سيادة، قادر على حماية نفسه من تدخلات الخارج ومن بقايا الإرهاب.

ومن هنا، فإن نزع سلاح المقاومة الشيعية لا يمكن اعتباره إصلاحًا، بل هو إجهاض متعمّد لأمن العراق الداخلي، وإعادة إنتاج للمآسي التي عاشها أبناء الجنوب والوسط في مرحلة الفوضى الطائفية، حيث كانت السيارات المفخخة تقتحم المدن الشيعية، وتُذبح العوائل على الهوية، وسط صمت دولي مخزٍ.

ولذلك، فإن أي مسار لإعادة النظر بسلاح الحشد لا بد أن يكون نابعًا من قرار وطني مستقل، يراعي التحديات الأمنية الحقيقية، لا ضغوطات السفارات، ولا رغبات الأعداء الذين ما زالوا يراهنون على عراقٍ ممزق، مفكك، يستهلك نفسه بصراعات داخلية.

لقد آن أوان أن يفهم الشيعة العراقيون أن عداء واشنطن ليس عارضًا، بل هو بنيويٌ واستراتيجي، وأن المشروع الأميركي في العراق لا يريد مقاومة ولا سيادة، بل فقط واجهات سياسية تتزين بمصطلحات الدولة، وتنفذ أجندات تفكيكها من الداخل.

إن الحشد ليس مشكلة العراق، بل ضمانة العراق...؛ وهو الجدار الأخير بيننا وبين الانهيار الأمني.

وكل دعوة لحله اليوم ليست إلا تمهيدًا لجولة جديدة من الفوضى، يُراد للعراقيين أن يخوضوها هذه المرة بلا سلاح، ولا حشد، ولا مقاومة.

ولا يفهم من كلامي انني ادعو الى تفريخ الحركات المسلحة وتزايد اعداد الفصائل خارج اطار القانون ؛ بل مراعاة الاحوال الوطنية والظروف الاقليمية والتحديات الخارجية ؛ فعندما تزول الاخطار والمؤامرات الخارجية والدعوات المعادية والمخططات المشبوهة ؛ عندها تنتفي الحاجة للاحتماء بالفصائل والحركات المسلحة العراقية .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك