المقالات

سأغرد خارج السرب..!

1807 2023-01-13

مازن الولائي ||

 

   هزتّني وألمتني كلمة اللاعب اليمني وهو يرثي حال اللعبة الكروية في بلاده وكيف أن الحرب دمرت كل شيء ومنها الرياضة متنفس الشباب ولعبتهم الجميلة والمفضلة! وهو يعاتب بمتحشرج الصوت الحزين والتناهيد التي تقطع الأنفاس! بعد مباراتهم الأولى أدرك خبير الرياضة والإنسان العادي أن فريق اليمن يعاني من نقص حاد بالاستعدادات! وكيف أن اللاعب البديل لم ينزل حتى خرج صاحبه ليعطيه الكسارات! نعم أن الرياضة ابتعدت عن محراب الصلاة والأخلاق يوم أصبح الكثير ممن يمتهنها قد لا يصلي فضلا عن أن يكون عارفا كأبراهيم هادي، وما وددت قوله كان يكفي لمنتخبنا لو كان يملك روح ابراهيم هادي الرياضية الحقة أن يكتفي بهدف أو اثنين أما خمسة كمن تعمد الركل على جرح يؤلم الخصم حتى ادماه! 

إنها بطولة الأندية لعام 1976م. يحصل الفائز على جائزة نقدية مضافًا إلى الانضمام إلى المنتخب الوطني. كان إبراهيم يومها في قمة جهوزيته، وكل من شاهد مباراة واحدة من مبارياته يوافق على هذا الأمر. كان المدربون يقولون: "هذا العام، لا منافس لإبراهيم في فئة الـ74 كيلوغرامًا".

بدأت المباريات، وتخطّى إبراهيم كل خصومه وبعد أربع جولات وصل إلى نصف النهائيات، كان يكسب المباراة إمّا بضربة فنّية أو بفارق كبير للنقاط.

مع كل الحماسة والانطلاق اللذين كان يشعر بهما، قلت له: "أخيرًا، هذه السنة، سينضم أحد مصارعي نادينا إلى المنتخب الوطني". في نصف النهائيات، على الرغم من أن الخصم كان مهمًا جدًّا، لكنّ إبراهيم فاز عليه بسهولة ووصل إلى النهائيات.

خصمه النهائي، كان السيّد "محمود ك". الحائز بطولة العالم للجيش. قبل البدء بالمباراة، ذهبت إلى غرفة تغيير الملابس حيث كان إبراهيم، فقلت له: "لقد رأيت خصمك في الخارج. إنه ضعيف جدًّا، يمكنك الفوز ببساطة بهذه المباراة. لكن بالله عليك يا أبرام، العب كما يجب، فلا شك عندي في أنّهم سيختارونك للعب في المنتخب الوطني". انتعل إبراهيم حذاءه الرياضي، شدّه جيّدًا، وتوجّه مع مدرّبه -الذي كان يكرّر بعض التوصيات- إلى الحلبة.

حين وصل إبراهيم إلى الحلبة، توجّهتُ أنا إلى المدرّجات، لفت نظري خصمه وهو يتحدث معه، بينما هزَّ إبراهيم رأسه موافقًا. ثم أشار الخصم إلى مكانٍ ما بين المشجعين لينظر إبراهيم إليه. أنا أيضًا، أدرت رأسي فرأيت امرأة عجوزًا، في يدها سُبحة تجلس في أعلى المدرجات. 

لم أعرف ما قالاه وما الذي حصل. لكنّ ما أعرفه أن إبراهيم بدأ المصارعة بشكل ضعيف. وكان في حالة دفاع دائم. بينما لم يتوقّف مدرّبه المسكين عن الصراخ وعن توجيه الملاحظات، لدرجة بُحّ صوته. لكن إبراهيم، لعب وكأنه لا يسمع أي كلمة من كلام المدرب ولا من صراخنا. وكان فقط يضيّع الوقت.

على الرغم من أن الخصم خاف كثيرًا في البداية، لكنّه تجرّأ بعدها، وبدأ يهجم ويهجم بينما كان إبراهيم يدافع بهدوء عجيب. أعطى الحَكَم الإنذار الأول لإبراهيم، ثم الإنذار الثاني وفي النهاية خسر إبراهيم وفاز خصمه عن فئة الـ74 كيلوغرامًا. 

حين رفع الحَكَم يد الخصم معلنًا فوزه، كان إبراهيم يضحك وكان سعيدًا وكأنّه هو الفائز. ثم تعانق المصارعان. كان الخصم يبكي من الفرح فإذا به ينحني ويقبِّل يد إبراهيم. 

كانا يخرجان من الحلبة، حين قفزتُ عن المدرّجات وتوجّهت نحو إبراهيم وصرخت في وجهه: "أيّها الرجل العاقل، ما هذه المصارعة؟! ثم ضربت قبضتي بغضب على كتفه". وأضَفتُ: "يا أخي، إن كنت لا تريد أن تلعب، قل لنا ولا تضيّع وقتنا معك".

ذهب إبراهيم بسرعة إلى غرفة تبديل الملابس، غيّر ثيابه ثم قال لي والبسمة تعلو وجهه: "لا تغضب إلى هذا الحد". ثم طأطأ رأسه وخرج.

أمام مدخل النادي، رأيت خصم إبراهيم مع أمه وعدد من عائلته يقفون معًا وكانوا فرحين جدًّا. فجأة ناداني ذلك الرجل. توجهت نحوه وأنا عابس ثم قلت: "ماذا؟" 

اقترب قليلًا وقال: "عرفت أنك صديق السيد أبرام، صحيح؟" أجبته بغضب: "أوامرك؟!".

أكمل: "عجيب، ما أروع صديقك هذا! قبل المباراة، قلت له: لا أشك في أنني سأخسر أمامك، لكن ارفِق بي، أمي وإخوتي حاضرون في الملعب. لا تحرجني أمامهم كثيرًا". ثم أكمل: "لقد قام بأكثر مما طلبته منه، ليتك تعرف مدى السعادة التي تشعر بها أمي". ثم نزلت دمعته وهو يقول: "تزوجت منذ مدة، وأحتاج إلى الجائزة المالية التي ربحتها، لا تعرف كم أنا مسرور".

دُهشت ولم أعرف ماذا أقول. سكتُّ قليلًا ثم قلت: "لو كنت مكان إبراهيم، وتدرّبت كل هذا التدريب الصعب في سبيل الفوز لما فعلت ما فعله. هذه الأعمال خاصة بالرجال العظام كإبراهيم".

ودّعت ذلك الشاب، ونظرت نظرة سريعة إلى تلك العجوز الفرحة والضحكة تعلو وجهها، ومشيت. في الطريق، كنت أفكّر في ما فعله إبراهيم. لا ينسجم كل هذا التسامح مع العقل. تذكرت أنّه في ما مضى خسر "بوريا الولي" المباراة عن قصد عندما عرف أنّ خصمه يحتاج إلى الفوز وأنّ حاكم المدينة قد آذاه كثيرًا. لكن إبراهيم..

تذكّرت التدريبات الصعبة التي قام بها إبراهيم ومرّت أمام عينيّ ضحكات تلك العجوز وابنها الشاب، فبكيتُ رغمًا عني. ما أعجبه من إنسان! إبراهيم هذا.

اعرف مقالي خارج المألوف ولكن لي في الرياضة قرآن يتلوه إحساسي..

 

"البصيرة هي ان لا تصبح سهمًا بيد قاتل الحسين  يُسَدَّد على دولة الفقيه"

مقال آخر دمتم بنصر ..

 

ــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ر. ح
2023-01-13
ماذا أُحدِّثُ عن صنعاء ياأبَتِ... لستُ رياضياً ولامحبا للرياضة، لكني كنت من المتابعين لمباراة الفريق العراقي مع باقي الفرق العربية او الاجنبية، وتعتريني الفرحة والزهو عند فوز منتخبنا الوطني، ولم أشاهد من خليجي25 سوى مباراتين، العراق (والسعودية)، والعراق واليمن، أما مع اليمن فكنت خارج عالمَي الرياضة والسياسة وداخل اللاحدود الجغرافي، ولأول مرة يشوب الفرحة حزن أكبر منها، حزن لليمن وما أوصله العدوان الوهابي الصهيوني الامريكي لليمنيين من قهر وجور وظلم قل مثيله في التاريخ. ولو كنت وزيرا للرياضة لاستضفت المنتخب اليمني قبل ثلاثة أشهر من الدوري في العراق ليجري تدريباته كجزء من الاخلاق الإسلامية والعربية لنصرة اليمن... والى الله المشتكى وعلية المعول في الشدة والرخاء. جزاك الله خيرا على هذه الروح الإسلامية الرقيقة...
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك