المقالات

الاجتماع العراقي والاجتماع الشيعي: من الذي طبع الآخر بطابعه؟/ 4

1607 2022-08-29

علي المؤمن ||

 

كمقاربة أولية؛ أعتقد أن سر التماهي والتشابك والتفاعل بين الاجتماع الشيعي والاجتماع العراقي، لايتعلق بالتشيع والشيعة وحسب، بل بطبيعة البيئة العراقية الأصلية أيضاً، أي البيئة السومرية البابلية للفرات الأوسط والجنوب، وتكوينها التاريخي، منذ خمسة آلاف سنة؛ فهي بيئة تنسجم نفسياً وسلوكياً مع عقيدة التشيع واجتماعه الديني ومساره التاريخي الثوري المعارض والمقموع؛ فالبيئة العراقية الأصلية هي بيئة رفض واعتراض وثورة وتمرد على السلطة والحاكم والظالم؛ ما جعلها تتفاعل تلقائياً مع طبيعة المسار الشيعي المعارض للسلطة واجتماعها السياسي والديني. أما المناخات الوافدة الى العراق، أي غير العراقية؛ فكانت على العكس؛ إذ انسجمت تلقائياً مع مسار السلطة وتطبّعت بطابعه، منذ الاحتلال الأموي للعراق وحتى نهاية الاحتلال البعثي؛ حتى إن الغالبية الساحقة من الثورات والحراكات الثورية الشيعية ضد السلطة الظالمة حدثت في العراق، منذ نهضة الإمام الحسين وثورات التوابين والمختار وزيد، وحتى انتفاضات النجف والصدر والشعبانية، أي أن العراق بقي طيلة ١٣٧٠ سنة، يشكل جغرافيا الصراع المستدام بين السلطة الأجنبية السنية (أموية وعباسية وايوبية وسلجوقية وعثمانية وبريطانية وحجازية وبعثية) والمعارضة العراقية الشيعية؛ بالنظر لتأثير البيئة العراقية في المسار الشيعي، وبلورتها طابع الرفض والمعارضة فيه، كما ذكرنا سلفاَ. بينما ظلت بيئة الشام ومصر وشمال افريقيا أيضاً؛ منسجمة مع السلطة في العهود الأموية والعباسية والأيوبية والسلجوقية والمملوكية، ولم تشهد ثورات وحراكات ضد السلطة؛ إلّا تلك التي قادها العلويون والشيعة الهاربون من العراق والحجاز، بل حتى الدول التي أسستها المعارضة في شمال العراق والشام ومصر، كانت دولاً شيعية، كالحمدانية والإدريسية والفاطمية، وكثير من قادتها كانوا عراقيين، ولكن حين سقطت هذه الدول بالأساليب الدموية التي سجّلها التاريخ؛ فإن القادة العسكريين العباسيين، كصلاح الدين الأيوبي، الذين تمكنوا من القضاء على الأغلبية الساحقة من الوجودات الاجتماعية الشيعية في هذه البلدان؛ قد فشلوا في العراق فشلاً ذريعاً، ولم يستطيعوا تفكيك المجتمع الشيعي العراقي، إذ ظل الشيعي العراقي عصياً على الاجتثاث، بفضل طبيعيته الذاتية المقاومة المعارضة الصعبة، بل بقي يتمدد اجتماعياً ومذهبياً، رغم استمرار محاولات الخصوم، وتنوع أشكال هذه المحاولات ومضامينها، كلما حلّت سلطة جديدة، حتى يبدو للباحث أن الحالة الواقعية المنسجمة مع قواعد الانثروبولوجيا والسسيولوجيا وعلم النفس الاجتماعي، هي أن يكون العراقي شيعياً بالفطرة وبالتكوين. وأعتقد أن شيعة البلدان الأخرى الذين تمسكوا بوجودهم الاجتماعي الديني وانتمائهم للتشيع؛ قد اقتبسوا من شيعة العراق واجتماعهم المقاوم الحاد؛ هذه السلوكية، العصيّة على الاستسلام للآخر المذهبي وسلطته وقمعه، بمن فيهم شيعة إيران، الذين يشكلون اليوم الأكثرية الشيعية السكانية في بلدهم؛ فالذي زرع بذور التشيع في ايران ونشره هم العراقيون، ابتداءً من قم والري وخراسان والديلم والأهواز، والذي أسس للاجتماع الشيعي في ايران هم العراقيون، والذي قاد الثورات الشيعية وأسس أولى الدول الشيعية في إيران، هم العراقيون؛ فقد كان القادة والمؤسسون فيها عراقيين غالباً، بينما كان الفرس والآذريين واللر مادة هذه الثورات والحراكات والدول، حتى نرى اليوم؛ إن الإيرانيين حين يتغنون بالثورة والمقاومة؛ فإنهم يضعون أسماء الرموز الشيعية العربية والعراقية في المقدمة، بدءاً بالإمام الحسين ومالك الأشتر والمقداد وعمار والعباس وحبيب والحر، وليس انتهاءً بالتوابين والمختار، وهو ما يؤكد أن الاجتماع الديني الشيعي، بصيغه المحلية والعالمية، هو نتاج تفاعل البيئة العراقية الأصلية واجتماعها وسلوكياتها، مع مسارات نشوء التشيع وحراكاته العقدية والسياسية.

 

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك