المقالات

"الزيلنسكية" في السياسية العراقية..!


محمد جعفر الحسن ||

 

ممارسات المجتمعات تخلق المفاهيم التي تعكسها الظواهر  وتعبر عنها مفرادات معينة، فالواقع هو مقياس ومصنع العلوم الانسانية. زيلينسكي لم يعد رئيسا لإوكرانيا؛ إنما هو ظاهرة معبرة عن إنكفاء الشعوب وتراجعها وتخلفها وإنحطاطها في جميع المجالات، وهو إنعكاس لشعوب تعشق النكتة او ربما تمزج الأشياء وتستسهل الأمور، فالمهرج يكون سياسيا والسياسي منبوذا، والقاتل زعيما والقائد مغيبا. كل هذه التفاصيل تقع ضمن الظاهرة (الزيلنسكية).

زيلينسكي ذلك الممثل او المهرج الذي اخرج عورته بهدف إضحاك الجمهور الاوكراني، اخرج اليوم شعبه من مساكنه إلى مناطق اللجوء الباردة. ممثل استعذب الشعب الكوميديا التي يقدمها، ونتيجة لذلك اختاره الاوكرانيين ليقود بلادهم!

هنا تكمن مأساة الشعوب، فالوعي عندما يهبط او يغيب، سوف تتعرض البلدان وشعوبها إلى الدمار والضياع، وهكذا مجتمعات تكون غير مؤهلة لإدارة شؤونها كونها حمقاء، والاحمق لا يختار سوى شبيهه كونه لا يفهم لغة أرقى من الحماقة والنكتة.

إنّ التجربة (الزيلنسكية) في أوكرانيا لابد من تفكيكها واخذ العبرة منها، وأي ادعاءات فارغة بالوعي يجب أن تواجه بصرامة وشدة، مهما تكعزت على مفهوم الحرية والديمقراطية، فمصائر الشعوب لا يمكن ان توضع بيد من يتوهم الوعي ويجهل التاريخ والعمل السياسي الحقيقي. زيلينسكي كان يعتقد ان روسيا الدولة العظمى التي يثير عداءها ويستفزها عبر تنفيذ الاجندات الامريكية الرامية إلى محاصرة الدب المدجج بالسلاح، كان يعتقد ان ذلك الغرب سيقف معه وطالما كانت أمريكا المحركة له فلن تتجرأ روسيا على التدخل بالقوة لفرض الواقع الذي يضمن امنها. الذي حصل هو العكس، وليس غريبا ان يحدث  السيناريو الجاري، غير أن الرئيس الاوكراني مستغرب وأسباب استغرابه تتعلق بمستواه وجذوره البعيدة عن فهم التاريخ والسياسة العالمية، وربما كان يتوقع الرئاسة هي عبارة عن دور تلفزيوني!.. الذي حصل أن الغرب بشكل عام لم يخسر قطرة دم واحدة لدعم زيلينسكي، تركوه وحيدا واكتفوا بالدعاء له!

هذه الظاهرة ووفق التفاصيل التي تحتويها، نجدها حاضرة في الواقع العراقي وبشكل رائج، فالمهرج له الملايين والجاهل يتزعم مئات الآلاف والساقط يقود وزارة او سفارة وربما يتسلط على الموقع الأول في الدولة.

إنّ الظاهرة الزلينسكية تكشف عن فضاعة حرب الشعوب لبلدانها، فالغباء والجهل المصبوغ بالجمال والمرح هو أقوى وأصعب المؤامرات التي تواجهها البلدان واجيالها. والإصرار على تبني النهج الوطني هو مصداق للزيلينسكية والسطحية السياسية، فعهد ما بعد الحداثة يرفض الخرائط ويسحقها بالاقدام، ويجعل العالم نسقا واحدا من يخرج عن طوعه فهو إرهابي او خارج عن قانون الغاب!

وهنا لا بد من القول أنّ الحرية اذا تحولت إلى مصدر خطر يداهم اي بلد، فلا بدّ من السيطرة عليها وإدارتها عبر تدخل الدولة ومؤسساتها. واذا لم تفعل، فقد تواجه مصيرا كالمصير الاوكراني.. أشباه زيلينسكي كثر في العراق، واليد الخارجية الداعمة لهم قوية، والوعي في أدنى مستوياته، كل هذه العوامل شكلت أرضية صالحة لصعود مهرج عراقي، وما الانتخابات الاخيرة وما افرزته سوى تجربة محدودة قد تعمم في بلاد الرافدين ولو بعد حين!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك