المقالات

توفيق..!  

1602 2020-07-13

محمد وناس ||

 

لاني الابن الاكبر  وبشقاوة الصغار احول البيت الى مضمار لعب . اقلب كل ما فيه فلا اترك اناء او فرش او غرض الا وحولته الى لعبة .

ولا تملك امي وسيله للتخلص مني الا بإرسالي مع والدي صباحا الى عمله عسى ان اشبع شغفي باللعب وتتفرغ هي لإعمال البيت .

يصطحبني والدي معه الى العمل في احدى ارياف مدينه المحاويل حيث تقوم الدائرة التي يعمل بها بصفة سائق بلدوزر بإنشاء طريق ريفي , ليتركني عن صديق له العب مع ابناءه

من بين ابناء هذا الرجل الطيب تعرفت على توفيق ذلك الصبي بشعره الكثيف ومشيته المميزه (وشداشته البازه ) , للتحول الى صداقة استمرت 39 سنة .

كبرنا معا نحمل نفس الهموم ونفس الامنيات والتطلعات . يوجعنا نفس الالم , نهرب من واقعنا معا . نحلم معا . نقراء نفس الكتب , نعترض معا لنفس الموقف .

 ثم  نتزوج معا في نفس الشهر

لم يكن توفيق من اصحاب الشهادات الجامعية العليا , ولا شيخ عشيرة , ولا وجيها تلجئ اليه الناس لقضاء حوائجها .

كلماته بسيطة ,جمله عفوية  مصحوبة بابتسامته المميزه وسماحة وجهه ونظرات عينيه البريئة .

من بين مجموعة الاصدقاء الصغيرة تلك كان توفيق الوحيد الذي يملك عملا منتظما يوفر له الحد الابسط من متطلبات المعيشة لعائلته مع  ست اطفال وزوجة , وثلاثة  من العاطلين عن العمل يقضون  طوال النهار في محله يقرعون   اكواب الشاي المجاني التي يغدقها علينا  توفيق مع سجائر سومر بلا فلتر,  وحواراتنا  السياسية تستولي على جل حديثنا , في زمن يعد الحديث عن السياسة جريمة كبرى عقوبته االاعدام . فنحسب انفسنا بهذه الاحاديث قد استوعبنا كل هذا الفن وأشبعناه تحليل وتفصيل 

وعند نهاية النهار  في بعض الاحيان كيس صغير فيه بعض حبات الخضار لأحد هؤلاء الجلاس  الاجبارين عندما لا يجد ما يُقيت اولاده.

وغالبا ما يجرنا معه الى بيته المتواضع  بغرفة ومطبخ وحيز صغير للجلوس , بسقفه المتهاوي المكون من جذوع النخل . لنشاركه غداءه المميز (فاصوليا وتمن )

حين يكون الفقر عنوان لمجتمع ما بكل مكوناته , وتكون كل الممارسات الطبيعية للإنسان الاعتيادي في حكم الممنوع , بداء من  العقيدة التي تعتنقها الى حرية التعبير عن الرأي , حتى نوع الطعام الذي تأكله يخضع لقوانين . وانتهاء بحق الحياة . ,

 وحين تكون كل جزئيات حياة الفرد اليومية تحت مجهر السلطة ومراقبتها , تتحول الحياة الى سجن كبير لا نهاية لأمده الا الموت , ويصبح الاستمرار فيها نوع من التعذيب الذي لا ينتهي .

ابتسامة توفيق وعفويته وإيمانه الغريب بالغيبيات وقدرة الاحجار على تحقيق المعجزات , تصبح حينها  الوسيلة الوحيدة لتخفيف هذا الضغط وتحويل كل هذه القسوة الى ابتسامة .

في احدى امسيات خريف  2010 اجتمعنا نحن  الاربعة في بيت احدنا وبعد العشاء قررنا زيارة صديق اخر لنا , عند خروجنا حذرنا صاحب البيت انه يملك كلب حراسة وهو الان طليق وقد يهاجمنا عند خروجنا وان علينا الحذر منه ,

وباستهزاء كبير مع ابتسامة عريضة  قلت انه لن يهاجمني فانا احمل احد احجار توفيق المباركة والتي تمنع عني الكلاب وان من سيقع طعما لهذا الكلب هو صديقي توفيق الذي تخلى عن حجرة الكريم وأعطاه لي هذه الليلة .

وبين مزاحنا وضحكات توفيق , وجدت نفسي مستلقيا على الارض وقد مزق الكلب سروالي وادمى قدمي اليمنى  .

لترتفع ضحكات توفيق الى اقصاها مع عبارات السخرية المتبادلة من الاصدقاء طول الطريق ونحن متجهون الى بيت صديقنا الاخر .

قبل ان تتوقف السيارة في الباب رن هاتف توفيق ليخبرنا انه سوف يذهب برفقه ابو وسام ( الذي كان يقود السيارة ) في عمل ويعود سريعا قبل ان نشرب الشاي عند صاحب الدار

في داخل الدار  ونحن نقلب ملاعق الشاي في اكوابها واذا بصوت انفجار ليهب كل الجالسين للخروج .

سيارة ينبعث منها الدخان وحراس البناية المقابله يصوبون رصاصهم نحو السيارة ونحونا  وهم يصرخون بأعلى اصواتهم سيارة مفخخة ,, رجل واقف عند باب السيارة والدخان يخرج من بين شعره في صورة تشبه افلام هوليوود . وهو يصرخ بأعلى صوته مات توفيق ... 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك