المقالات

الامن والاستخبارات في القران والسيرة

2100 12:50:30 2015-04-18

كنا قد اشرنا في مقالات سابقة الى اهمية سلاح المعرفة المتقدمة لدى الانبياء عليهم السلام, سواء ماكان بوحي الهي مسبق , او من خلال تزويدهم بملكة تمكنهم من الاستشعار والعلم المتقدم والاستخبار كمحادثة لغة الحيوانات او تفسير الاحلام او غيرها .

واذا اردنا ان نكون اكثر دقة فان تلكم الملكات و الوحي المسبق لم تقتصر على الانبياء فقط , فالقران مليء بآيات بينات عن المعلومات التي زودها الباري للخضر عليه السلام في رحلته مع موسى عليه السلام, وبالاوامر الالهية لغير الانبياء كما في ايحاءه لمريم (بجذع النخلة) او بايحاءه لام النبي موسى بخطة كفالته كخادمة كي تقر عينها .

واذا اردنا الغوص فلسفيا سنرى ان كل القرآن بما بين دفتيه , بكل مابينه من اسرار عن الاخرة والجنة والنار والحلال والحرام وتعليمنا بطريق الصواب , كل تلك المعارف القرانية هي معارف استخبارية توصلنا (او المفروض انها تفعل) الى اتخاذ قرارات عقلانية للنجاح في معركتنا ضد الشيطان وضد النفس الامارة بالسوء , فالقران بهذا التصور الفلسفي هو معلومات استخبارية متكاملة تعطينا مواطن ضعفنا وقوتنا ومواطن ضعف العدو وقوته ,لتمكننا من ان ننتصر بشرف في الجهاد الاكبر...جهاد النفس, وبكل الاحوال علنا نعود لايضاح هذا التصور في مقالات قادمة, ولكن مانريد ان نؤكده هنا ان الامن والاستخبار ليسا بغريبين عن القران والسيرة النبوية الشريفة . ====================

الامن في القران والسيرة : امن من الله تعالى بلا منّة من احد !!!! ==================

لاشك ان الشعور بالامن والامان هو نعمة مابعدها نعمة , وهو امر بدأت تفتقده احيانا امم وشعوب باكملها حتى انها لاتستطيع ان تتمتع بخيراتها الوفيرة , وقد اشار القران الكريم الى مفردة الامان بمعان شتى تجمعها الطمأنينة والسلام , فكان الاخير المرادف للامن اسما من اسماء الله الحسنى .

ان المتمعن في الايات التي ورد فيها ذكر الامن والامان في القران الكريم يلاحظ ان رب العالمين جل جلاله يمنحك الامن كما الهواء وكما الماء , يكرمك الامن منحة يلعن فيها ومن خلالها من يروعك . ويحيلك في معاني الامان بين معنى الايمان به وطاعته التي تطمئنك من سوط عذابه في الاخرة ,وبين الامان الارضي ولكنه في الاثنتين يحدد بوضوح انه مصدر الامن ولكل الناس ساسة ومسوسين وبالتالي لامنة لاحد على احد بالامان , وهو امر جلي في ايات القران الكريم المبثوثة فيها كلمة الامن والامان مثل : ( ۗ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ ) ,(سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) ,(ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) ,(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) ,(الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ),ِ (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ) , (وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ ) ,( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا ) ,(وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ) ,(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا ) .

ان كل هذه الايات تكشف عن اشارات واضحة لالبس فيها , ان لاحياة بلا امن , وفي ذات الوقت فان الامن لايبقى على حاله بلا ادامة مجتمعية من خلال تحكيم المجتمع من اعداءه .

ويعزز تصورنا قول رسول الله ( من اصبح وامسى وعنده ثلاث فقد تمت علية النعمة في الدنيا , معافى في بدنه , آمناً في سربه , عنده قوت يومه ) بل انه (ص ) يسلط الضوء على ماهو اخطر فهو في احاديث صحيحة ومعتبرة يهدد باسم الله باقسى العبارات كل من يسعى لسلب الامن والامان من الناس , فالمروع هنا كالمتدخل بالذات الالهية , قال رسول الله (ص) ( من روع مسلما لرضا سلطان جيء به يوم القيامة معه ) وفي حديث اخر ( من روع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه , فهو في النار واذا اصابه مكروه فهو مع فرعون واله في النار ) . ==================

الاستخبارات في القران والسيرة

================

كما قلنا في مقدمة المقال فاننا نرى ان كتاب القران الكريم في احد اهم جوانبه هو إخبار عن مجاهيل لانعلمها ومعلومات تحدد نقاط ضعفنا وقوتنا وتحدد عدونا وتكشف ضعفه وتعطي الانسان كل مايحتاجه في معركته بجهاده الاكبر .

لكن مايهمنا ايضاحه هنا هو ان الامان شعور انساني وهو نعمة من الباري تعالى ولكن ديمومتها لاتتم الا من خلال الحفاظ عليها من الساعين لترويع المجتمعات وهم الاعداء , وهذا يقودنا الى ان الاستخبار هو احد الافعال التي تديم الامن في المجتمعات , وقد نبذ الباري بعضا من تلك الاشكال في صورها الفردية كالتجسس والفضول والتلصص والتنصت على احاديث الغير , وهي اشكال من التصرفات التي توحي بالانحطاط الخلقي حين تكون في صورتها الفردية داخل المجتمع.

اما الاستخبار بشكله الامني المطلوب للحفاظ على امن البلاد والعباد فهو مما يقبله العقل والشرع والمشرع وان كان قد اتى بمسميات اخرى مقاربة كالتحسس ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) وقوله تعالى (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) والتقصي يعني المراقبة الاستخبارية من خلال مصدر موثوق , وكذا في قوله تعالى (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ) .

ان مجمل هذه الايات الكريمة لتعطينا مثالا واضحا ان ماجاء في اية (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ) محصورة في الجانب الاخلاقي الفردي ولاتتعداه الى الجوانب الخاصة بامن المجتمع والدولة .

===========

ورع المستخبر

============

هنالك بالتأكيد مئات بل الاف المواضع في السيرة النبوية وفي سير المعارك الاسلامية ما يشير الى اهمية وشرعية سلاح الاستخبارات , بل انه بات امرا شائعا مفروغا منه في المعارك عبر التاريخ , ويستوي في استخدامه البر والفاجر , الا ان تركيزنا على شرعية الاستخبار في الاسلام تنبع من ان العمل الاستخباري يحتاج الى خلق عال من قبل القائمين عليه , لان الاستخبارات كانت تتيح الاطلاع على الخبايا, وهو امر يتطلب من المطلع ان يغض الطرف عن المحارم وعن الكثير مما يصادفه (بالاخص مع تقدم علم الاستخبارات), فكان الاستخبار منوط برجال موثوقون بورعهم وصدقهم, ففي معركة بدر ارسل الرسول الامام علي والزبير ليستخبروا من قرب ابار بدر عن قوة وتعداد العدوا ,وايضا استخبر من عمه العباس عن مواعيد حركة قافلة ابو سفيان .

ولعل من اروع ما يشير الى اهمية العمل الاستخباري للحاكم قول اميرالمومنين علي عليه السلام ( والعالم بزمانه لاتهجم عليه اللوابس ) وكان عليه السلام يولي هذا الامر اهمية شديدة في حروبه , فها هو يوصي زياد بن النضر حين جعله في مقدمة الجيش بصفين ( اعلم ان مقدمة القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم فاذا انت خرجت من بلادك ودنوت عدوك فلا تسام من توجيه الطلائع في كل ناحية وفي بعض الشعاب الشجر والخمر وفي كل جانب ). ======

الخلاصة

======

ان الاحاطة بالشواهد الخاصة بالاستخبار هي عمل شاق , وهي كما قلنا لم تعد تنسب الى احد ولانعلم عن معركة في تاريخ العالم لم يكن للتجسس فيها النصيب الوافر حتى قيل ان التجسس من اقدم المهن في التاريخ , ولكن مايهمنا هنا ان مايشار الى التجسس بمايقصد به العمل الاستخباري هو ليس بالعمل القذر , واستشهدنا بالايات والاحاديث التي تحظ عليه وتعده من الاعمال المقدسة , انها حرب معلومات يخسر فيها الجاهل , ولذلك قيل قديما : اذا سقط كافر ومؤمن في النهر ,,فسينجو من يعرف السباحة!!!!!, والله الموفق
 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك