المقالات

[بَحْرُ العُلومِ]...ثُلاثِيّةُ التّوافُقِ (١)

1515 2015-04-13

كانت كنيتُهُ تتردّدُ كثيراً على لسانِ والدي (رحمه الله)، فكلّما أسمعَهُ يتحدّث مع خالي الكبير الدكتور ابراهيم عبد الحسين الطباطبائي (رحمه الله)، أسمعَهُ يكرّرُها (السيد ابو ابراهيم). كان ذلك في الستّينيّات من القرن الماضي، وقتها لم يتجاوز عمري عدد أصابع اليد الواحدة.

لم اعرف من هو المقصود بهذه الكُنية، كما لم أكن لاجرؤ على السّؤال من الوالد او من الخال، فمثل هذه الأسئلة وبهذا العمر المبكّر جداً تُعتبر خلاف الأدب!. 

كبرتُ قليلاً وبدأتُ أتردد على محافل القرآن الكريم والمنتديات الأدبيّة والثقافيّة المتواضعة التي تتناسب وعمري، والتي كانت تنتشر في كربلاء المقدسة وقتها، فبدأ إسمهُ الصريح يتردّد اكثر فاكثر على لسان الأدباء والعلماء والمثقّفين، نصيحةً تارةً وشعراً أو نثراً تارة أُخرى، او مقولةً محفوظةً تارةً ثالثةً. حتى اذا انخرطتُ في اوّل حلقةٍ رساليّة، أعطاني المسؤول الحركي كتابين من الحجم المتوسط، كان قد دسّهُما بين صفحات جريدة (الثّورة) طالباً منّي قراءتها وتلخيصها في اللقاء القادم.
ذهبتُ الى البيت وانا احملُ صيداً ثميناً، فقد كنتُ اعشقُ القراءة والمطالعة.
مزّقتُ (الثّورة) واذا بالكتابين هما؛
[بين يدي الرسول الأعظم (ص)].
[من مدرسة الامام علي (ع)].
لمؤلّفهما (محمد بحر العلوم) هكذا كان مكتوبٌ على الغلاف.

وبينَما انا مُنهمكٌ في المطالعة، رمقني الوالد بنظرةِ قلقٍ، ففي العهد الجديد، عهد النظام القومجي العنصري الطائفي الشوفيني، فانّ عقوبة اقتناء كتابٍ لكاتبٍ غير مرغوبٍ فيه، الإعدام! كما لو انّك تقودُ مؤامرة لقلب نظام الحكم. 

كان ذلك بداية السبعينيّات من القرن الماضي، عندما شنّ النظام الشمولي حملة اعتقالات واسعة جداً شملت أعداداً غفيرةً من العلماء والشباب الحركي والرسالي، انتهت بإعدام الشيخ عارف البصري ورفاقه الخمسة الشهداء، الامر الذي زاد في قلق الاباء وقتها، خوفاً على ابنائهم لمثل هذا السبب، مثلاً، اقتناء كتاب ممنوع!. حاولتُ ان اخفي الكتابين عن نظراته الحذِرة والمتسائِلة، ولكن دون جدوى، فبادرني بالسؤال؛
ما هذه الكتب؟.
اريتهُ احدُهما، فوقعت عينيه على اسم المؤلف، فرأيت وكأنّ وجههُ استبشر خيراً واستقرَّ قليلاً، فقال وهو يبتسم؛
لا بأس عليك، فانا اعرفُ المؤلف!.
مرّةً اخرى، لم اجرؤ على السؤال منه؛ ومن هُوَ؟ وكيف تعرفهُ؟ وما علاقتك به؟ فلازال العمرُ مبكّراً على طرحِ مثل هذه الأسئلة!.
مرّت الايام لأكتشف ان (السيد ابو ابراهيم) هو نفسه (محمد بحر العلوم) مؤلف الكتابين.

لم اكُن اعرفُ لحد ذلك اليوم ان صلةَ قُربى من طرف الوالدة العلويَّة (رحمها الله تعالى) تجمعُنا مع السيد ابي ابراهيم، حتى اكتشفت ذلك في وقت متاخرٍ وتحديداً في العام ١٩٩٢ في مصيف صلاح الدين، ولذلك قصة سأرويها في الجزء الثاني.

امّا الكتابان، فقد التهمتُهُما بسرعة البرق، لسلاسة اسلوبهما الأدبي الذي استخدمه السيد، وكأنّه كتبهما للشباب واليافعين ليقدّم بهما أنموذجاً رسالياً لعددٍ من الشّخصيات الرّسالية الرائعة في صدر الاسلام، محاولاً بالنّماذج تكريس قيم الإيمان والشجاعة والوفاء والإيثار والعمل الصالح والثقة بالنفس، في نفوس الجيل الجديد.


يتبع

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك