المقالات

صلح الامام الحسن ممهد لثورة الامام الحسين عليهما السلام –2


علي الخالدي ||

 

  يتساءل الكثير كيف ان معاوية استطاع خداع المسلمين, وحولهم من محبين لعلي عليه السلام, الى معارضين له, وقاتلين لأولاده من بعده, مع ان الائمة كانوا يعيشون بين ظهرانيهم.

   كانت نفس معاوية بن أبي سفيان تواقة الى الحكم و السلطان, والتربُّع على كرسي الخلافة و أخذ زمام أمور الأمة الاسلامية بيده, حتى يتمكن من الوصول الى أهدافه و ملذاته الدنيوية، ولكنه في نفس الوقت لم يكن ساذجاً بل كان معروفاً بالدهاء و السياسة ، فكان يعرف جيداً بأن وصوله الى مبتغاه يحتاج الى تخطيط دقيق وصبر كثير، و عليه أن يتجاوز الكثير من المراحل و الأزمات حتى تتوفر الأجواء المناسبة, والمؤدية الى قبول المسلمين بالأمر الواقع الذي كان يريده لهم.

  كان معوية يعرف جيداً بأنه إن أراد الوصول الى هذه النتيجة فلا بد له أن يتستَّر بعباءة الدين و عليه أن يخفي نواياه و كذلك أعماله التي لا تنسجم مع الدين الاسلامي و تعاليمه و أحكامه ، فكان حريصاً على التظاهر بالالتزام الديني و الحرص على مصالح الأمة الاسلامية , ولم يخطئ معاوية في تقييمه للظروف, فكانت النتيجة أن جماعات كبيرة من المسلمين لم يتمكنوا من معرفته على حقيقته فلم يتمكنوا من تمييز الحق من الباطل خلال فترة خروجه على الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حرب صفين و بعدها في المواجهات التي دارت بينه و بين الامام الحسن بن علي ( عليه السلام ) فكان ما كان, إلا أن الامام الحسن ( عليه السلام ) لما رأى أن جيشه قد تأثَّر هو الآخر بالتضليلات الاعلامية التي كان مصدرها الجهاز السياسي و الاعلامي لمعاوية ـ طبعاً بعد أن أقام الحجة على المسلمين بمخالفته لمعاوية من خلال مواجهته العسكرية له ـ لم يجد بدا من قبول صلح معاوية ، ولكنه ( عليه السلام ) برع في تسجيل نصر كبير ـ لم يفطن له معاوية رغم دهائه و مكره ـ من خلال بنود مذكرة الصلح.

    حيث أراد الامام الحسن ( عليه السلام ) أن يثبت للمسلمين في ذلك العصر بل للتاريخ زيف ما كان يدعيه معاوية ، و يبيِّن كذبه و تزويره للحقائق ، كما أراد إزاحة عباءة الدين عن معاوية ، تلك التي طالما تستر بها معاوية ، و بالفعل فقد استطاع الامام الحسن ( عليه السلام ) بعد فترة وجيزة من تعرية معاوية و كشفه كشفاً كاملاً أمام المسلمين . فهذا معاوية يُسقط القناع عن وجهه ليعترف و يقول بعد أيام من توقيعه على معاهدة الصلح : إني والله ما قاتلتكم لتصلوا و لا لتصوموا و لا لتحجوا و لا لتزكوا ، إنكم تعلمون ذلك ، و لكني قاتلتكم لأتأمَّر عليكم و قد أعطاني الله ذلك و أنتم له كارهون ، ألا و أني منيت الحسن و أعطيته أشياء و جميعها تحت قدمي ، و لا أفي بشيء منها له . و هكذا مكَّن الامام الحسن ( عليه السلام ) المسلمينَ من اكتشاف حقائق مهمة و الحصول على تجربة سياسية عظيمة مهدت لتجربة أخرى أكبر.

   بعد تلك القراءة تجد ان هناك فرقاً كبيراً جداً بين المواجهتين ، أي مواجهة الامام الحسن ( عليه السلام ) لمعاوية ، و مواجهة الامام الحسين ( عليه السلام ) ليزيد بن معاوية ، حيث لمن تكن الأمور ملتبسة على الناس أيام حكومة يزيد كما كانت ملتبسة أيام حكومة معاوية .

    المقال اعلاه مقدم لكم بعد ان نقل بتصرف عن بحث (صلح الامام الحسن عليه السلام) للعلامة المحقق السيد سامي البدري دام بقاءه

 

 

ــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك