المقالات

البنطال الممزَّق..!

1438 2022-05-09

مازن البعيجي ||   أتفق عدد من الأصدقاء من مدينة بعيدة عن الحرم المقدس لأحد الأولياء الصالحين، وقد هيّأ كل شاب منهم ما يحتاجه من متاع للسفرة المقررة والتي ستكون أحدى محطاتها زيارة ذلك المرقد الطاهر أثناء الطريق، وحيث أن أغلب الشباب تستهويهم الموضة العالمية المستوردة، عبر ما تنشره دور الأزياء للرجال والنساء! ما جعل كل واحد منهم يلبس زيًّا مختلفا عن الآخر من تلك التي أعلنت عنه مواقع التواصل الاجتماعي، وعند الوصول لذلك المكان الذي فيه المقام الشريف هناك اعترض من قبل مسؤولي المقام على الشباب الغير سوي بالملبس والمظهر بمنعهم الدخول، لان الهيئة المسؤولة تمنع  من يرتدي تلك الملابس الفاضحة والمنتهكة للحياء والتقاليد والعرف، بنطال ممزّق من أكثر من موضع في الجسم وهو الزي الذي يثير اشمئزاز الرائي.  تجمعوا في مكان صباحا، وبعضهم مَن تعب على تصفيف شعره الذي بمقدار نصف كف اليد عن رأسه وآخر جعله عش مبعثر! واساور باليد وسلاسل في الرقبة وخواتم براقة في بعض الأيدي وهكذا، وكان من ضمن مستلزمات السفرة زجاجات النارگيلة مع سماعة عالية والاصوات الصاخبة المنبعثة من أجهزة الموبايل. وهكذا تشاهد أثناء الطريق إلتقاط الصور وتسجيل مقاطع متحركة ثم نشرها وإرسالها ( استوريات) إلى الأصدقاء وصفحات التواصل عبر البث المباشر بمختلف النشر من الضحك، والتصفيق، والحركات الخارجة عن أدب العرف واللياقة! وبعد مسير حوالي خمس ساعات، تعرضت السيارة أكثر من مرة لحادث لولا لطف الله تعالى جراء تهور السائق الشاب ببعض الحركات والفعاليات الشبابية دون الألتفات إلى ضرورة ربط حزام الأمان! وأثناء اضطراب حركة قيادة السيارة ارتطم رأس أحد الأصدقاء وكان يغطّ بنومه رغم الضجيج بسبب السهر وقلة النوم قبل السفر، وبعد انحراف السيارة ضُرب رأسه بزجاج السيارة مما أدى إلى تورم مقدمة جبهته أعلى حاجبة الأيمن وقد احزنه الأمر  كثيرا لما سببت له الضربة من ورم في وجهه ما أثر في أناقة شكله ومنظره!  وبعد أخذ الاستراحة والجلوس في أماكن سياحية ضمن برنامجهم المقصود، قرر البعض حياءً الذهاب إلى ذلك المرقد لأجل الزيارة، لعل داعي الفطرة جعلهم يشعرون بالتقصير إن لم يخصصوا وقتًا ولو على نحو إسقاط الحجة، في وقت امتعض البعض قائلًا: أنا لا أرغب بالدخول لأن ملابسي لا تليق بالمقام كما أن البعض أحجم دون أن يجعل سببا معين!.. تفرقوا بعض الوقت، وبقي من بقي مكانه، بينما ذهب البعض الآخر مع السائق بنية الدخول إلى ذلك الحرم، وهناك وقبل الدخول اخذ الأمر بتغيّر الاحوال والتصرفات نوعا ما، وكأن خصوصية ذلك المكان تحتم على المتوجه نحوه احترامه والهدوء في رحابه، وصلت السيارة إلى مرآب المدينة، وتنقّلوا بواسطة عربات صغيرة إلى حيث الدخول من أول باب فيه الرجال والنساء وعلى مقربة من الباب الكبير ، مسؤول المقام( الخادم ) قائلا لاثنين من الشباب؛ عفوا أنتما ممنوعين من الدخول بسبب عدم مقبولية ارتدائكم لهذه الملابس الممزقة وطريقة تصفيف الشعر الغريبة التي تتنافى ومكانة صاحب هذا المقام الشريف!! أصيبوا جميعا بالذهول سيما الشابين المقصودَين ما جعلهم في وضع محرَجٍ لايُحسَد عليه، حاولا عبثًا إقناع المسؤول لكنه رفض رفضا قاطعا، تجمهر بعض الناس، بعض بدا متعاطفًا مع الشابين وبعض كان مؤيدًا لتصرف المسؤول ويعتبره واجب! وهناك من يهمس مستنكرا ( هذه ملابس حتى لا تصلح للبيت ) منتقدا بعثرة الشعر بشكل يشبه مهرّجي الغرب، وبالتالي يبقى كونه منظرا لا يليق بقداسة المزار! وتعالت أصوات الناس بالشجب والمطالبة باحترام المقامات المقدسة  ومن بين المشاهدين الحضور لما جرى عند مدخل المزار، فتاة طالبة جامعية أتت مع امها وصديقات امها في زيارة قصيرة، وكانت ترصد بحذر ردود افعال الناس وهي تتجمع عند أول نقطة مراقبة، وقد صدمها المشهد، وهي تنظر إلى  وجوه الشباب التي بدا عليها الانكسار لما سببه لهم احراج الموقف، فضلا عن تركيز الانظار عليهم، وقد لفت نظرها أحدهم ذاك الذي فتح البنطال من ركبته! وإذا بها تضطرب بعض الشيء وهي تتذكر اصرارها على ارتداء ملابس لاتقل خلاعة عما ارتدى الشباب بعيدا عن الحشمة، وهي الأخرى ممن تؤيد هذا النوع من الأزياء ولم تر مانعا من ارتدائه وتراه منتهى الأناقة والذوق! إلا أنها في هذه  اللحظة بالذات كانت تضع العباءة على رأسها وقد سترت ما كانت ترتدي من بنطال ضيق وقميص لا يستر الكثير من الجسم، وشال لا يستر شيء إن لم يكن هو نوع إثارة للناظر في مكان دراستها!؟ والعباءة هي رداء مؤقت لأنها تعلم مسبقا انها تُمنع من الدخول بتلك الملابس غير الشرعية! هزها المنظر وأربكها وهي تتخيل موقفها أمام هذا الحشد من الزائرين المتشفي بالشباب وهم في موقف حرجٍ جدا، وكأنها تهمس لنفسها، ترى كيف موقفي لو كنت مكانهم؟! أم ما هو الموقف لو عرف هؤلاء حقيقة ملبسي تحت العباءة؟!! وهذا الحياء والخجل أمام جمع من الناس العوام إذًا فما هو نوع الإحراج والخجل أمام صاحب المرقد المقدس وهو بلا شك يرى مقاميويسمع كلامي؟!!  في لحظة يقظة، تغيرت نيّتها واعتذرت لأمها عن عدم الدخول الى باحة المزار لشعورها بالدوران، وقالت: سأنتظر هنا حتى تعودي انت وصديقاتك أمي، لكن الام تغير لونها من تصرف ابنتها لعدم قناعتها بالعذر، لكنها تظاهرت بالقبول لعدم  احراجها فابتسمت قائلة: إذن انتظري هنا يا ابنتي حتى اكمل زيارتي واعود  البنت: حسنا امي تقبل الله، جلست البنت على كرسي ضمن مجموعة كراسي أُعدّت للانتظار داخل صالة التفتيش، وأطرقت برأسها نحو الأرض، وفي هذه الاثناء، تقدمت نحوها إحدى المسؤولات ( الخادمة ) وبطريقة طبيعية ودية وهي توزع بنظرها على الجالسات بمختلف الاعمار، إلا أن تلك البنت قد لفتت نظرها ومثل هذه النظرة تأتي عن خبرة بحكم طبيعة العمل ودقة الملاحظة والتمييز أثناء الخدمة، نظرت إليها وشعرت انها منكسرة بعض الشيء مطرقة رأسها، أخذها الفضول لتعرف ما لهذه الفتاة تطيل النظر الى الأرض كأنها تعاني من شيء أو لعلها تحتاج لشيء فرأت أن من الواجب تفقد حالها! وبالفعل اقتربت منها وكانت امرأة مهابة في عمر الثلاثين ونيف، تلبس الحجاب الشرعي المتكامل والذي تجانس مع بشرتها وجمالها الطبيعي البهي، فهي ابنة أحد الشهداء المدافعين عن ثورة الخميني من العراقيين الذين اعدمهم البعث المجرم، وحتما انها شربت من بيت ابيها الفضائل والعفة والمكرمات.  بادرتها قائلة: السلام عليكم تقبل الله تعالى اعمالكم والطاعات، رفعت الفتاة رأسها فجأة وقالت: وعليكم السلام، شكرا لك،  الخادمة: هل أنت بخير عزيزتي؟اراك لم تدخلي باحة المزار الشريف؟ الفتاة تشعر باحراج ولم تعرف أي عذر مناسب ممكن تجيب به عليها ولكن الأخت التي تمسك بيدها عصى وفيها قبضة باللون البنفسجي المتعارف عليه أنه يشير إلى توزيع المهام حسب اللون وكل لون له حدود في نطاق الحرام ومهمة يعرفونها ذوي الاختصاص في إدارة العتبات، كررت الاخت السؤال: هل تشعرين بشيء أبنتي؟ الفتاة وبتلعثم: لا أبدا ولكن خجلت من نفسي وانا انتبه إلى ملبسي فلم اتجرأ على الدخول، وقد صُعقتُ عندما شاهدت الشابين الّذَين منعوا من الدخول وسط نظرات الناس وما بين منتقِد وشامت ومندهش! وانا أشاهد ذلك شعرت بخجل وألم حينما تخيلتُ نفسي بهذا الموقف، وقد هزني أكثر قول أحد المجتمعين بانتقاده للشباب وهو يقول: إذا كنتم لا تخجلوا في بيوتكم فاخجلوا من صاحب المقام الذي ضحى من أجل ستر وعفاف نساءنا ومثمن حجابهن الذي دفع له دمه الزاكي، وهنا ارتعدت فرائصي خجلا وانا أشعر أنني واحدة من النساء المدينات لدماء الشهداء والصالحين! عندها فجأة تذكّرت ملبسي الخارج عن قواعد صاحب هذا المقام وأخواته وهو بلا شك منهج العفاف والفضيلة وانا خارج دائرهم فاستحييت ورفضت الدخول مع امي، ثم اجهشت الفتاة بالبكاء بشدة وغطت وجهها بيدها، وهنا احتضنتها خادمة ذلك المقام او المشرفة على تنظيم حركة الزائرات ولفت رأسها بالعباءة بودٍ وعطف كبير، ومسحت دموعها وقالت لها تعالي معي ولابأس عليك  أخذتها بكل احترام إلى المكان المخصص فاستسلمت الفتاة الزائرة ناظرة إلى الوجه المشع بهاءً وتقوى وهدوء، وهي تقبض على مسبحة طينية لم تفارقها، ثم قالت لمن معها في غرفة السيطرة: سأذهب لدقائق واعود، خرجت مع الفتاة الزائرة قابضة على يدها بحنو الأم الرؤوم والفتاة معها وشعور يراودها أن شيئا ما في جوانحها قد سقط ارضًا وتهشم، ومنظر الشباب المحرِج لا يفارق مخيلتها، كل ذلك وهي لاتدري إلى أين تاخذها الاخت المشرفة، حتى وصلت بها الى مكان لم يدخل منه إلا المسؤولين الكبار، نزلت معها في سلّم طويل، ووصلنا معا إلى غرفة اغلقت الباب والشبابيك ثم اشعلت الضوء وفتحت بابًا تشبه الصندوق القديم وفيها شبابيك من فضة بمسافة مترين بمترين تقريبا وقالت: انظري يا ابنتي، نظرت الفتاة ولكن كما تقول هي: اخذتني رعدة ورهبة ولم أعد اشعر بجسدي وكأني تجمدت من البرد، والمشرفة تقف خلفي واضعة يدها اليمنى على كتفي الأيمن، فقلت: ما هذا ارجوك وما هذا العطر الساحر ؟! قالت وهي تبتسم: لن تصدقي! قلت بالله عليك أخبريني أكاد افقد الوعي، قالت: هذا هو قبر صاحب المقام الذي رزقك الله زيارته باقرب مسافة يتمناها الناس وهو ذات المكان الذي نزوره من فوق القبر، ما أن سمعت الفتاة كلام المشرفة حتى انتابتها حالة من البكاء والحزن والندم والخجل، وسقطت على ركبتيها التي لامست المرمر البارد لأن  البنطال كان من النوع الممزق على شاكلة موضة العصر! ثم رفعت رأسها والدموع تملأ عينيها وقالت: أيتها المشرفة أماه: اشهدي علي أنني ومن هذا المكان المقدس قررت أن أعاهد صاحب الحرم على أن أكون كما يريد وتريد الشريعة..قبلتها المشرفة وشكرت الله تعالى على هدايتها، وخرجت بعد دور وشوط بكاء انهمرت معه كل مفاتنها والانبهار الذي كان يغطي جمال روحها وهذا الموقف الذي كشف صفاء سريرتها التي تستحق الستر والحجاب وليس ذلك التعري الذي يوحي لها وهمًا انه الجمال المطلوب وشيء فشيء اخذت تهدأ وتشكر الله سبحانه وتعالى على هذا الكرم، ثم اصطحبتها المشرفة إلى مكان آخر في الحرم يحتوي على نوع الملابس الشرعية، واختارت لها ملبسًا لا يعطى بل يُهدى إلى اخص الخواص الخواص، مع بعض الأشياء الكريمة الثمينة ومنها مسبحة من تربة ابي عبدالله عليه السلام، تبادلن الأرقام، ورجعت إلى مكانها فوجدت أمها تكاد تنهار من شدة القلق عليها، لكنها انصدمت عندما نظرت لها في مظهر غير مظهرها، وعندما بينت لها مختصر ماجرى لها فرحت الأم أيما فرح وسرّها منظر ابنتها رغم الحزن، وقالت لها أين كنت وكيف حصل كل ذلك؟ بادرتها المشرفة قائلة: كانت معي تزور المرقد من مكان قريب وهي من ستكمل لك القصة لاحقا، ابتسمت الأم واحتضنت ابنتها واجهشتا بالبكاء حتى علا صوتهما، والام تتمتم بالشكر لصاحب المرقد الذي لم يخيب طلبها ولا رجائها في هداية ابنتها..  وهكذا ذهبت ببنطال ممزق وعادت بحجاب كامل مهيب وهذا بلاشك من هدايا صاحب المرقد ..

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك