المقالات

العتابي يبحث عن "بائع الثلج" في الحرية

1610 2020-12-16

 

حمزة مصطفى||

 

جميلة هي المقدمة التي كتبها الدكتور أحمد الزبيدي لكتاب صديقه وصديقنا الدكتور جمال العتابي الذي حمل عنوان "داخل المكان" الصادر عن دار سطور, ثم أردفه بعنوان فرعي هو "المدن روح ومعنى". يقول الزبيدي " مابين صمت تراتيل (الغازية) وخفوت صلاتها, وأمهاتها اللواتي يلدن دونما ضجة ودونما صخب. و(الحرية) التي كورّت عراقا مصغرا يضم نخبة من الصانعين للثقافة العراقية الجديدة, مابين فطرية  المكان الأول وحرفية الثاني بزغت شخصية جمال  العتابي". يشرح في باقي السطور تكوين جمال الأسري والأيديولوجي الذي هيمن على علاقته بالمكان عبر أزمان مختلفة توالت عليه خلالها الأفراح إن وجدت والنوائب وما أكثرها ومن بينها نوائب السياسة أو بمعنى أكثر وضوحا خيبة الأيديولوجيا.

ومع أن كتاب العتابي "داخل المكان" من الحجم المتوسط ولاتزيد صفحاته عن 176 صفحة الإ أنه يختصر الى حد كبير تاريخ العراق عبر نصف قرن تقريبا (العتابي من مواليد آواخر الأربعينات من القرن الماضي .. خل يزعل لأني كشفت عمره) بكل تقلباته الأديولوجية والسياسية وعبر مختلف الأنظمة التي عايشها جمال بين العهدين الملكي والجمهوري. في العهد الملكي ولد جمال وترعرع في قرية تحولت فيما بعد الى ناحية إسمها (الغازية)  تيمنا بإسم الملك غازي, لكن ثورة 14 تموز عام  1958 "خلت عقلها" مع هذه القرية فأطلقت عليها  (النصر) ويبدو أن هذه التسمية صمدت عبر العهود التالية حتى اليوم!! لكن  تكوين جمال السياسي والفكري والثقافي تبلور في مدينة الحرية ببغداد التي أفرد لها مساحة كبيرة من الكتاب مستعرضا كل شئ فيها بمن في ذلك من برز من بين أبنائها على كل المستويات السياسية والثقافية والفنية والرياضية وسواها.

الحرية المدينة التي بالفعل أختزل إسمها الى "المدينة" هي بالنسبة لجمال عراق مصغر بقدر مايتنافس فيه الفنانون والمثقفون والرياضيون يتصارع فيها السياسيون بمن فيهم عزة الدوري الذي لم يكن يلفت نظر أحد في ستينيات القرن الماضي سوى إنه كان يبيع الثلج بالقرب من مقهى (نعيّس) الكائن في منطقة الجمعية بمدينة الحرية. هكذا يخبرنا جمال قائلا "في مقهى نعيس لون آخر من الرواد, يملؤن المقهى بالضجيج وقرقعة قطع الدومينو الى ساعات متأخرة من الليل, فارسهم عزة الدوري الذي يبيع الثلج في كشك أمام المقهى". ولأن المدينة شهدت أولى إنطلاقة فاضل عواد من خلال أغنية "لاخبر" التي نالت شهرة واسعة وكاظم الساهر من خلال أغنية "جرة الحبل" فإن مماميز جو الحرية أجواء حرب حزيران عام 1967  التي كانت تهيمن على المقهى طوال الأيام الستة عبر أغنية فهد بلان "حنا للسيف, وحنا للضيف .. ياويل .. ياويل ..ياويل" فإن من المفاجآت التي حرص العتابي على توثيقها ماحصل بعد 17 تموز عام 1968 والتي لفتت نظره بقوة يلخصها بهذه الكلمات "لم نعرف على بعد خطوات من المقهى أن بائع الثلج يتأهب من أيام تموز الأولى عام 1968لتوديع كشكه الخشبي في رحلة نحو أعلى المراتب" بعد أن كان يقضي الليل في لعب الدومينو يراهن, يخسر, يربح. لم يعثر  جمال العتابي بعد على بائع الثلج. لا نعرف إن كان فتش كل الأمكنة جيدا أم تركها لزمن كفيل بالتعامل مع المكان روحا ومعنى.

ــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك