المقالات

عاشوراء (10) السنة الثانية

1629 2014-11-04


{اَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ وَاَنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْق فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ}.
هي ليست أمنية، بقدر ما هي مشروع حقيقي يتطلّب أدوات فعليٌة تمكّن المرء من ان يلتزم بنهج أهل البيت عليهم السلام، كما قال أمير المؤمنين (ع)؛
انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ، وَاتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدىً، وَلَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدىً، فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا، وَإِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا، وَلاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا، وَلاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا.
لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله)، فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ! لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً، قَدْ بَاتُوا سُجّداً وَقِيَاماً، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَخُدُودِهِمْ، وَيَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ! كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ! إِذَا ذُكِرَ اللهُ هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ، وَمَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ، وَرَجَاءً لِلثَّوَابِ!. 
كيف؟.
أولاً: انّ منهج أهل البيت (ع) ليس بالمنهج المثالي أبداً، وإنما هو منهج واقعي يعتمد الظرف الزمكاني في كلّ شيء، لانه الاسلام الحقيقي الذي بعثه الله تعالى رحمةً للعالمين.
ولو كان منهجاً مثالياً او نظرياً يصعب الالتزام به لما احتجّ الله تعالى به علينا لانّه تعالى الذي خلق الانسان ويعلم مكنونهُ لا يمكن ان يحمّله فوق طاقته او يسأله عمّا هو خارج ارادته او حتى حاجته، لانّ ذلك خلاف عدل الله تعالى كما انه خلاف رحمته بعباده، وهو الّذي يعلمنا ان ندعوه بقوله في محكم كتابه الكريم {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.

انّه نهجٌ انساني قبل ان يكون نهجاً دينياً، واتحدّى احدٌ ان يدّعي ان نهضة الحسين (ع) مثلاً كانت خارج الإرادة الانسانيّة او انّها كانت مثاليّة او خارج حاجات الزمان والمكان، بل الزمان المطلق والمكان المطلق، ولعلّ اكبرُ دليلٍ على ذلك هو انّ كلّ الثورات وحركات التحرر وعلى مرّ التاريخ استلهمت منه دروس الكرامة والتحدّي والثّبات بغضّ النظر عن هويتها، كما انّ الذين كتبوا عن الحسين (ع) وعاشوراء وكربلاء انطلقوا من وعيهم الإنساني قبل ان ينطلقوا من ايّ شيء آخر، ولذلك لم يَحُد كتاباتهم لا دين ولا مذهب ولا إثنيّة ولا لون ولا تاريخ ولا جغرافيا.

ثانياً: انّه نهج يعتمد العقل والدليل والمنطق، ولذلك صمدَ بوجه كل التحدّيات مهما كانت دمويّة وقاسية، فلو انّه كان نهج الخرافة واللاعقل واللامنطق لانهار منذ زمن بعيد، فانّ شدّة ما واجهه من تحدّيات ما كان ليصمد أمامها ويستوعبها ويمتصّها لولا انّه نهجٌ يعتمد العقل والمنطق والحوار.

ثالثاً: انّه نهج يعتمد العلم والمعرفة والإدراك والشموليّة في الاطلاع، وفي الأسفار العظيمة التي خلّفها لنا أهل البيت عليهم السلام في مختلف المجالات دليلٌ عظيمٌ وقاطع على ذلك، فهم لم يتحدّثوا عن جانب من العلوم على حساب الجوانب الاخرى، او انّهم يهتمّون بجانب ويتجاهلون آخر أبداً، انّهم بابُ علمِ رسول الله (ص) الّذي قال عنه أمير المؤمنين (ع) {علمني حبيبي رسول الله (ص) الفَ بابٍ من العلم يفُتح لي في كلّ بابٍ الفَ بابٍ من العلم} اي ما مجموعه مليونَ بابِ علمٍ، فكم هي عدد العلوم مجتمعة التي اكتشفها وتوصّل اليها الانسان وفي القرن الواحد والعشرين؟ هل تعدّت الألف باب؟ ألفين؟ خمسة آلاف؟ عشرة؟ كم؟.

رابعاً: انّه نهجٌ يعتمد حرّية الاختيار، فهو (المذهب) الوحيد من بين كلّ مذاهب المسلمين الذي انتشر وصمد وبقي لحدّ الان من دون ان تتدخل بذلك السلطات الحاكمة، بل العكس هو الصحيح، فهو المذهب الوحيد الذي ظلّ دائماً هدفاً لسهام السلطات وحروبها الدمويّة.

انّه نهجٌ يتسلّل الى العقل والقلب بلا استئذان، ومن دون جبر او تخويف او اكراه، انّه نهجٌ ينتشر من دون ان يرصد له احدٌ خزينة ما، انّه نهجٌ ثمنُ الانتماء اليه وتبنّيه والإيمان به دماء ودموع وأيتام وأرامل، لانّه نهجٌ يعتمد العلم والاخرون يعتمدون الجهل، انّه يعتمدُ قوّة المنطق والاخرون يعتمدون منطق القوّة، انّه يعتمد العقل والاخرون يعتمدون الهوى.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك