المقالات

عاشوراء (2) السنة الثانية

1352 17:49:30 2014-10-27


{يا اَبا عَبْدِاللهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتِ الْمُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَميعِ اَهْلِ الإسْلامِ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصيبَتُكَ فِي السَّماواتِ عَلى جَميعِ اَهْلِ السَّماواتِ}.
لو أنّ كلّ جريمة يستنكرها الناس ويرفضونها ويعظّمونها ولا يقبلون بها ولا يبرّرونها، لقلَّت الجرائم في هذا العالم، الا انّ المشكلة هي انّ الناس يمرّون على الجرائم مرورَ الكرام، ولذلك يستسهلها المجرمون فيكرّرونها.
ان المعصوم في هذه الفقرة من زيارة عاشوراء يحاول ان يُعظّم جريمة الطاغية يزيد بن معاوية بحق السبط سيد الشهداء الامام الحسين (ع) في عاشوراء في كربلاء لتظلّ البشرية تستنكرها كلما سمعت بقصّتها او مرّت عليها، فتعظيم الجريمة وسيلة فعالة من وسائل مكافحتها والعكس هو الصحيح، فكلما استخفّ الناس بهَول جريمة او بفضاعة خطأ كلّما استهان المجرمون بأفعالهم الشنيعة فكرّروها وأعادوا إنتاجها.
ولذلك حذّر أمير المؤمنين (ع) من الصاحب الذي يقلل من شأن الذنب، فعندما ساله زيد بن صوحان العبديّ عن ايّ صاحب شرّ؟ قال عليه السلام {المزيّن لكَ معصية الله}.
إنّه أسلوب قرآني ورد في العديد من الآيات الكريمة التي تتحدث عن جرائم الطغاة والمستبدين سواء جرائمهم المجتمعيّة او الاقتصادية او الأخلاقية او غير ذلك، كما في قوله تعالى عندما يتحدث عن جرائم فرعون {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}.

وبرأيي، فانّ ما عناه الشاعر الفذ في قوله؛ [كلّ يومٍ عاشوراء وكلّ ارضٍ كربلاء] ليس المقصود به الحثّ على تحويل الارض الى مسرح للقتل والذبح وإسالة الدماء وإزهاق الأرواح، ابداً، وإنما هي دعوة للحيلولة دون تكرار تراجيديا كربلاء من خلال استنكار ذلك الفعل الأموي القبيح الذي ارتكبه الطاغية يزيد ضد اهل البيت (ع) وتعظيمه لنزرع في نفوس الأجيال المتعاقبة وعقولها ووجدانها ووعيها خطر تكرار مثل تلك الجريمة، التي سنشهد مثيلاتها، مع الفارق الكبير جداً طبعاً، في كل ارض وفي كل يوم، اذا ما استمرأ الناس تلك الجريمة واسترخصوا التضحية وهوّنوا من بشاعة الأفعال التي ارتكبها الأمويون في ذلك اليوم.

وبمقدار ما يبذل شيعة الحسين (ع) ومحبّوه وأنصاره وعشّاق الحق والعدل والحرية والكرامة من جهود في العشر الاولى من محرم الحرام من كل عام، من جهد جسدي وروحي واعلامي وثقافي وفكري واجتماعي من اجل التذكير بهَول المصاب وعظمته كمساهمة منهم للحيلولة دون تكرار الجريمة، كونهم يعتمدون مبادئ الحب والتعايش مع الآخر المستند الى التنوّع والتعدّد، بنفس المقدار يبذل الأمويون الجدد كل ما بوسعهم للتقليل من عِظم الجريمة الأمويّة في محاولة منهم لغسل أدمغة الرأي العام الجاهل للقبول بفكرة تكرار الجرائم حتى سمعنا احدهم يقول (لو كنت مكان يزيد لما تردّدتُ في قتل الحسين) !!! لماذا؟ انه يحاول ان يُشرْعِن الجريمة ليهضمها أنصاره فيقبلون منه فكرة تكرارها، الامر الذي نراه اليوم بأُمّ أعيننا في الكثير من البلاد العربية والإسلامية وعلى رأسها العراق.

لقد حذّر الاسلام كثيراً من مغبّة الاستهانة بالذنب التافه والصغير وربما الحقير، فما بالك بالذنب الكبير؟ فلقد ورد عن رسول الله (ص) قوله {إيّاكم ومحقّرات الذنوب، فإنما مثل محقّرات الذنوب كمثل قومٍ نزلوا بطنَ وادٍ فجاء ذا بعودٍ وذا بعودٍ، حتى جمعوا ما أنضجوا به خُبزهم، وإنّ محقّرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تُهلكه} لان الاستهانة بالذنوب الصغيرة طريق الى ارتكاب الذنوب الكبيرة.

هذا من جانب، ومن جانب آخر، فانّ مشكلة الناس هي أنّهم يثورون ضد الجريمة اذا لامستهم بضرّها ويتفرّجون عليها اذا لم تؤثّر بشيء عليهم، فيما يلزم ان يستشعر الانسان ويتحسّس خطر الجريمة سواء استهدفته بشكل مباشر او لم تستهدفه، لانها ستترك أثرها، خاصة اذا كانت جريمة اجتماعية، على الجميع ولو بعد حين، ولذلك فالتحسّس منها أمر ضروري لتجنّب أثرها إنْ لم يكن في المستوى المنظور فعلى المستوى البعيد، والى ذلك أشار القرآن الكريم بقوله {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك