المقالات

أسحار رمضانيّة ()

1308 05:36:02 2014-07-02

نزار حيدر

{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}. 

هذه الآية تؤسس للسّلم الأهلي في المجتمع، من خلال تثبيت أسس وأركان العدل والمساواة بين جميع المواطنين، بعيدا عن كل انواع التمييز، فالمسلم يؤمن ويحترم غير المسلم، دينهُ وعقائده وأنبياءه ورسله وكتبه، كما ان غير المسلم كذلك يحترم دين المسلم وعقائده وكتبه، كما يتحدث القران الكريم عن هذه الحقيقة بقوله تعالى {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} ولذلك لا يجوز التعدي على كل ما يتعلق بغير المسلم في البلاد، لان الأصل في المجتمع هو التعدد والتعارف والتعايش والتعاون، لا ينبغي لأحد ان يفكّر في الغاء احد او النيل من كتابه او معتقداته، كما لا ينبغي ان نشكّك في نوايا الآخرين ونحاكمهم على أساسها، بل ان الأصل هو عمل المرء، امّا النوايا فلا يُحاسِبُ عليها الا الله تعالى، فهو وحده العالم بالخفايا، كما في قوله تعالى {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} فلا يجوز التشكيك بالنوايا ونصْبِ محاكم التفتيش ابدا، فقد نهانا القران الكريم عن ذلك بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.

إنَّ الّذين يعتدون على غير المسلمين باسم الدين، هم أبعد ما يكونوا عن الدين وقِيمِهِ ومعتقداته، فكيف يدّعون التديّن وهم يقتلون الناس على الهوية ويفجرون دور العبادة كالمساجد والحسينيات والكنائس؟ كيف يدّعون انتمائهم الى رسول الله (ص) الذي وصفه القران الكريم بالرحمة في قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} وهم يُروِّعون النساء والأطفال ويتجاوزون على أعراض الناس وأملاكهم بعناوين واهية ومتخلّفة؟.
ليس لله تعالى ظِلٌّ في الارض لِيُعيّن هؤلاء انفسهم أوصياء على العباد يُصدِرون الأحكام ويقيمون الحدود والقصاص وهم الّذين يعبدون الله تعالى على حرف؟.

لقد كان غير المسلمين على ما هم عليه الان، عند بعثة رسول الله (ص) ولحظة نزول الاية المباركة اعلاه، ومع ذلك يحكي لنا القران الكريم عن إيمان الرسول (ص) والمؤمنين بالرسل والأنبياء والكتب، فهو (ص) لَمْ يُؤمر ان يُشكّك فيما يعتقدون به، كما لم يُؤمر ان يتعامل معهم على أساس النوايا، بل اكثر من ذلك، فلقد أمره ربه عز وجل ان يحترم عقائدهم ورموزهم ومؤسساتهم، فلا يدع احدا ان يعتدي على شيء منها، فكان يقول دائماً مذكّرا ومحذّرا {من آذى ذُمّياً فقد آذاني} و {من آذى ذُمّياً فانا خصيمه يوم القيامة} كما ان أمير المؤمنين (ع) كان يقاتل من يعتدي او يتجاوز على حقوقهم، وإن كان مسلما، بل عدّ من يموت كمداً على خبر يتناهى لمسامعه بسبب تعدّي متجاوز على امرأة غير مسلمة، شهيدا، لان احترام الآخر، مهما اختلف معنا، من جوهر الدين، فالحقوق متساوية بين الجميع لا يجوز ان يتمتع بها مسلم ويُحرمُ منها آخر بسبب دينه او مذهبه او اثنيته او جنسه او لونه، ابدا.

وإنّ سبب التعدّي على حقوق الآخرين هو الجهل بأحكام الاسلام والجهل بتحديد المفاهيم في الزمان والمكان والجهل بحقوق الاخر، وكل ذلك سببه التزمّت والتعنّت الديني الذي تَغسِلَ به فتاوى التكفير أدمغة المغرر بهم، لحاجة في نفس يعقوب يريد قضاها.

ان التجييش الديني والطائفي والعرقي لا يمت الى الدين بصلة البتّة، وبالتالي، فهو لا يمت الى الانسانية بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، لان الاسلام هو دين الانسانية، دين الرحمة، ولنا في سيرة رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) مع الآخر، حتى المُشرِك، خيرُ دليل وبرهان، فأين تلك السيرة الانسانية العطرة، من سيرة الارهابيين اليوم الذين يظهرون على الفضائيات يحزّون رؤوس الأبرياء ويغتصِبون الحرائر في الساحات العامة وهم يهلّلون ويكبرون؟! ألا تبّاً لهم، وشُلّت أيديهم.
وكل رمضان وانتم بخير.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك