التقارير

اغنياء وفقراء في علم الاقتصاد العصبي!

1465 2016-11-25

  أ. د. مظهر محمد صالح* واصل رونالد ترامب سيرهُ على الرصيف المؤدي الى شارع المال في مدينة نيويورك ليتوقف فجأة أمام شحاذ افترش الارض وهو يقلب الكثير من اللاشيء.  نظر ترامب الى ذلك الفقير بعين من الأسى محدثاً إياه: إنك أيها الرجل تمتلك صفر من الثروة وانا مدين بمبلغ 900 مليون دولار بعد ان فقدتُ ثروتي كلها فإنك بالمحصلة اغنى مني!  اجابه الشحاذ مبتسماً انا حقاَ اغنى منك.  ولكن ماذا ان حصلت على المال ثم خسرته، حينها سأكون من الفاشلين، وربما قد اخسر صحتي وانا احاول ان اجمع الثروة، وقد لا اعرف إن كان الناس سيحبونني لشخصي ام من اجل اموالي؟  واخيراً، يمكن ان اتعرض الى السرقة وعندها سأخسر الثروة فضلاً عن خسارة مكاني الذي اشحذ فيه على رصيف شارع المال. 
ترك ترامب ذلك الشحاذ وهو يسبق الخطى للالتقاء بصديق سيساعده على استعادة ثروته مجدداً ولكنه ظل يردد في سره بان التيارات الرئيسة السائدة في علم الاقتصاد مازالت تستخدم نماذج المنفعة المتوقعة ودور العوامل العقلانية عند استخدامها في التحليل الاقتصادي واختبار نماذج التحليل.  هنا توقف ترامب وهو يُحدّث نفسه كرة اخرى قائلاً: ان العديد من تلك التحليلات لم تستطع ان تفسر كيف يمكن الحصول على الثروات التي تحققها الطفرات الاقتصادية وكيف تُشكل تلك الثروات مجدداً!
ربما لم يدرك رونالد ترامب ظهور ما يسمى بعلم الاقتصاد العصبي  Neuroeconomics
وهو من العلوم السلوكية التي تشكلت من خليط علوم الاعصاب وعلوم الاقتصاد، اذ حاول هذا العلم ايجاد مشتركات في التصرف ازاء تعظيم المنفعة ومقاييس الاستجابة العصبية والتي تركز جميعها على دور الدماغ في تدفق الدم.  فالدماغ يتكون حقاً من مقاطع وانظمة عديدة تتعامل جميعها في توجيه صنع القرار.  فالعديد من القرارات تُتخذ في إطار ظروف محفوفة بالمخاطر، لذلك تتجه النزعة الانسانية إما صوب تحمل المخاطر بغية تعظيم المنفعة او النزعة نحو تجنب المخاطر والتضحية بجانب من المنافع.  فقد كشفت البحوث والدراسات في الولايات المتحدة الامريكية ان هنالك الكثير من الامور الاستثنائية والشاذة والانماط الشائعة من التصرفات التي غدت جميعها لا تتلائم ومبدأ تعظيم المنفعة والتي منها تلك النزعة المتجنبة للمخاطر risk aversion التي كان يمارسها شحاذ وول ستريت وهو يفترش الرصيف حين واجهه رونالد ترامب المجازف الذي بات مفلساً.
وهكذا يوضح لنا علم الاقتصاد العصبي بان ثمة مناطق متعددة في الدماغ تختلف في درجة تحسسها إزاء موضوع تحديد المخاطر او حالة اللايقين ازاء التصرفات الانسانية المتعلقة باتخاذ القرار الاقتصادي، والتي تتوقف على شكل وتركيب وطبيعة القشرة الخارجية لمقدمة العقل البشري.  فبالوقت الذي يركز فيه الفقراء على احتمالات الخسارة مهما كانت ضئيلة يركز الاغنياء على احتمالات الربح مهما كانت ضئيلة ايضاً.  فكل فريق ينظر الى القدح المملوء نصفه بالماء.  فالفقراء يعتقدون ان عليهم معرفة كل شيء مقدماً وضرورة الحصول على تلك المعلومة عند كل ردة فعل وهو امر لا يتيسر حصوله لارتفاع تكاليفه في حين يبقى الاغنياء وحدهم من يمتلك المحفظة المعلوماتية لاتخاذ قراراتهم المعظِمة لمنافعهم utility maximisation وهي حكراً في متناول ايديهم وشبكة اعصابهم في تعظيم ثروتهم مهما كان تركيب قشرة ادمغتهم التي وعدنا بها علم الاقتصاد العصبي!
(*) المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي
http://iraqieconomists.net/
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك