التقارير

بأي ذنب قتل الملك؟

3034 2016-07-21

لم يكن اغتيال الملك فيصل حادثة استثنائية في تاريخ السعودية فحسب، بل ومأساة غامضة طالت شخصية كبرى ارتبط اسمها بقرارات ومواقف حاسمة أبرزها قطع إمدادات النفط عن الغرب عام 1973.

دارت أحداث الاغتيال صبيحة 25 مارس 1975 خلال مراسم استقبال الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، وزير النفط الكويتي عبد المطلب الكاظمي في الديوان الملكي بالرياض.

في تلك الأثناء هرع شاب فجأة وشهر مسدسا، وهرول في اتجاه وزير النفط الكويتي، ثم أطلق ثلاث رصاصات، خر بعدها الملك فيصل على الأرض والدم ينزف منه بغزارة.

أصابت الطلقة الأولى وجه الملك فيصل والثانية رأسه والثالثة أخطأته، وتمكن الحرس بصعوبة من السيطرة على القاتل الذي تبين أنه الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود. نقل الجريح على عجل للمستشفى لكن الملك فيصل فارق الحياة بفعل الرصاصة الأولى التي اخترقت أحد الأوردة.

وأعلنت السلطات السعودية في البداية أن القاتل مختل عقلي، إلا أن المحكمة وجدت أنه مسؤول عن تصرفاته وقت عملية الاغتيال، وحكمت عليه بالإعدام، وقد نفذ الحكم بقطع رأسه بالسيف أمام جمهرة من الناس في الساحة الرئيسة بالرياض في 18 يونيو 1975.

وتعددت الروايات حول دوافع الاغتيال، وكان أبرزها الثأر لشقيقه الأكبر خالد بن مساعد الذي قتل على يد رجال الأمن بعد أن قاد عملية اقتحام مسلح لمبنى التلفزيون في الرياض عام 1965، رفضا لوجود مثل هذه الوسائل الحديثة التي يصفها المتشددون بأنها بدعة خطيرة.

وذهبت رواية أخرى إلى أن الأمير الموتور أقدم على اغتيال الملك فيصل في محاولة لقلب نظام الحكم، وذلك بسبب علاقة القرابة التي تربطه بآل رشيد الذين كانوا يحكمون نجد قبل أن تزيحهم الدولة السعودية الثالثة.

غلاف كتاب يماني: القصة من الداخل  غلاف كتاب يماني: القصة من الداخل

ومن جانب آخر، شك الكثيرون بوجود يد للاستخبارات المركزية الأمريكية في عملية الاغتيال، انتقاما من قطع الملك فيصل لإمدادات النفط خلال حرب العاشر من رمضان عام 1973، وإشهاره سلاح النفط لأول وآخر مرة ضد الدول الغربية الداعمة لإسرائيل.

وربما يستند أصحاب هذا الاحتمال إلى إقامة الأمير القاتل الطويلة في الولايات المتحدة، وإلى الموقف الحازم الذي اتخذه الملك فيصل إبان حرب 1973، ومحاولته في تلك الفترة أداء دور قيادي ورص صفوف العرب خلفه بعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر.

ولم تتوقف التكهنات والشكوك عند هذا الحد، حيث تشير إحدى الروايات إلى أن الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود كان يحمل أفكارا ثورية متطرفة تشربها أثناء دراسته في جامعة بيركلي بكاليفورنيا، وقد يكون سعى وراء جريمته من وحيها.

هذه الرواية أكدتها صحف أمريكية أجرت مقابلات مع أصدقائه ومعارفه، ونقلت عن أحدهم أن الأمير فيصل بن مساعد كان معاديا عنيفا للصهيونية، وكان يردد أن عائلته هي العائق الأكبر أمام تطور العالم العربي، وأنها تضع تعاونها مع الشركات النفطية الأمريكية فوق كل اعتبار.

ويدعم هذا الرأي وزير البترول السعودي الأسبق أحمد زكي يماني في الحوارات التي أجراها معه الصحفي الأمريكي جيفري روبنسون والتي نشرها في كتاب سيرة ذاتية بعنوان "القصة من الداخل"، حيث ذكر أن الأمير القاتل كان له موقف عدائي من الدين، مستبعدا أن يكون دافعه الثأر لشقيقه، ملمحا في الوقت نفسه إلى أن الأمير ينتمي إلى "معسكر" آخر داخل العائلة، وأن قاتل عمه أراد قلب النظام القائم.

واللافت أن هذا الأمير الموتور قضى في الولايات المتحدة حياة لهو، تعاطى خلالها المخدرات، بل وتورط في قضية اتجار بحبوب الهلوسة الشهيرة "إل سي دي" في ولاية كلورادو عام 1970، وعاد بعدها إلى بلاده حيث احتجزت وثائقه ومنع من السفر، تجنبا لمزيد من الفضائح.

وما يبعث على الدهشة أن وزير البترول السعودي الشهير كشف أن الإرهابي الدولي كارلوس حين احتجزه وعدد من نظرائه في فيينا بعد عدة أشهر من عملية الاغتيال، اعترف له أنه على معرفة بالأمير القاتل، وأنه ذات مرة مازح صديقته متسائلا: "كيف يمكنها أن ترتبط بمثل هذا الرجعي؟" وأجابته: "هو قطعا ليس رجعيا، وقريبا ستتأكدون من أنه بطل حقيقي".

ورحل الملك فيصل عن الدنيا بطريقة مأساوية، لكنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه، وفعل ما لم يتجرأ آخرون على فعله قبله وبعده: شهر في أصعب الأوقات سلاح النفط الذي كان يباع حينها بدولارين، وحاول انتهاج سياسة مستقلة نسبيا عن الولايات المتحدة، وسعى جاهدا إلى إدخال إصلاحات في نظام بلاده، وانحاز إلى تعليم المرأة وإلى الكثير من المظاهر الحضارية التي كانت تجد مقاومة شديدة داخل المجتمع السعودي مثل البث المرئي.

كل ذلك يمنحه مكانة خاصة في تاريخ السعودية والمنطقة، مكانة يزيدها الزمن قيمة، إذ بمقتله انفتحت أنابيب النفط بكامل قوة ضخها، وعاد النفط سلعة تجارية عادية تهوي أسعارها وترتفع بحسب مصالح الشركات الاحتكارية الكبرى، وعلى هوى مزاج واشنطن السياسي.

محمد الطاهر

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك