التقارير

اوردغان يستنجد بنيكولا ميكافيلي للبقاء في السلطة

2581 2016-07-19

علي فضل الله الزبيدي 
التأريخ بعمقه الزمني، محطات من التجارب والعبر، يستنير بها من غاص في أعماقه، فالحاضر كساق الشجر، لا يكون ثابت مستقيما"، أمام ملمات الزمن، إلا إذا إستند إلى قاعدة قوية، فالماضي كجذور الشجر التي يرتكز عليها ساقه، فهي تخترق طبقات الأرض، ومع إلتقاء الجذر والساق، أي الماضي والحاضر وإنسجامهما، يكون المستقبل ثمار يانعة، تؤتي أكلها من جد لها وأجتهد، فالعمل ليس شعارات نسوقها، ولا جعجعة إعلام، فارغ المحتوى والمضمون، إنما هو إستحضار تجارب الأخرين، ثم دراسة ما نملك، وهذا هو التخطيط، ومع توفر الإرادة والإصرار، ينجح العمل ويثمر.
إن فيلسوف السياسة الرومانية، الطبيب والمؤرخ نيكولا ما كيافيلي، إستاذ التنظير السياسي، كان قد تبنى في القرن الخامس عشر، عدة إطروحات سياسية، عدت فيما بعد، مسار لعلم السياسة الحديث، إستطاعت إطروحات ذلك المفكر الكبير، أن ترسم العلاقة بين السلطان وشعبه، بمعنى أوضح وحديث، بين الحكومة والشعب، بل أصبح ما جاء به ماكيافيلي، إسلوبا" سياسيا"، يتناسب وعصر النهضة الجديد،الذي إنتقلت إليه أوربا وقتها، رغم إن جل ما جاء به ذلك المفكر، طرق سياسية تمكن الحكومة، من فرض سياستها على الشعب، ولكن بطرق حضارية، وليست إستبدادية.
ومن جملة ما ينسب، إلى ماكيافيلي في التنظير السياسيي، إن الغاية تبرر الوسيلة، وهذه الإطروحة تعطي الإذن للحكومة، بأن تبتكر الوسيلة، من أجل فرض سلطتها، والحفاظ على سلطان الدولة، وكثير من الذين عاصروا ذلك المفكر، يقولون إن ما أراده ماكيافيلي، ليس هذا البعد الأنني، بل أراد أن يذهب إلى أنقى من ذلك، على الحكومات أن تتفن بإبتكار الوسائل، التي من خلالها تجعل الشعب، يعيش برفاهية وأمان.
إذن ما علاقة أوردغان وماكيافيلي؟، العلاقة بين الإثنين ليست زمنية، ولكنها سببية، فيبدو إن الرئيس التركي، ضاقت به الضائقة، وأصبح يعاني من أزمات سياسية كبيرة وكثيرة، سواء الداخلية منها، وكذلك الإنتكسات في السياسة الخارجية، وتلك الأحداث بمجموعها، جعلت شعبية الرئيس التركي الحالي، تتراجع كثيرا" وبداية لأفول نجمه السياسي، كل ذلك أضطره للعمل، والتفكير للخروج من هذا المأزق الشائك، الذي قد يودي بتاريخه السياسي المشبوه، الذي يضم بين جنباته شبهات كثيرة.
يبدو أن أوردغان، نهض من كرسيه، وأخذ نفس عميق، ثم عاد إلى الخلف، فأرشده حظه أو أحد مستشاريه الحذقين، بضرورة الإسترشاد بإطروحات، وتحديدا" مقولة ماكيافيلي الشهيرة، ( إذا أردت أن تتخلص من الخونة، وتريد أن تبرز قوتك للأخرين كي تحظى بالهيبة، فأصنع إنقلابا" عسكريا"، ثم تمكن منه وأفشله)، كأن هذه الأطروحة فصلت لأوردغان، فالخيانة تحمل معنا" فضفاض، نستطيع أن نطلقها على كل من يخالفنا، في الرأي والمبدأ، وذلك ما أراده الرئيس التركي، حين أوهم الناس، بوقوع إنقلاب على حكمه، والحقيقة لم تكن كذلك.
ما غرض أوردغان، من هذا الإنقلاب المصطنع؟، لقد أعطى لنفسه المسوغ القانوني، لإعتقال كل المناوئين له، أفراد وجماعات، سيما أتباع فتح الله غولن، حيث لديه شعبية كبيرة، لدى غالبية الأتراك، فقطع الطريق على أكبر منافسيه، ثم أظهر مدى قوة مؤسساته الأمنية، التي أستطاعت أن تفشل هذا الإنقلاب، ومن كل ذلك إرتفاع أسهمه السياسية، لدى بورصة الشعب التركي، بعد أن شهدت بالفترة الأخيرة، تراجع كبير لشعبيته، إذن هي قراءة بسيطة للتأريخ، غيرت مسار أحداث كبيرة، ليتحول شعب بغالبيته لولاء أوردغان، بعد أن كاد أن ينقلب عليه.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك