التقارير

تركيا ونصف الحقيقة


 

أمجد عرار

تحذير الرئيس التركي عبدالله غول من تهديد انتشار التطرف في سوريا على أوروبا ومن خطر تحوّلها إلى أفغانستان على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، له ما يدعمه من المعطيات والوقائع والشواهد التي لم يستطع غول الاعتراف أن حكومة بلاده سبب رئيسي فيها .

حين يحذّر من الخطورة المتزايدة لانتشار أفكار التطرف بين أوساط الناس العاديين في مختلف أنحاء سوريا على أيدي الجماعات الجهادية، وأن هذه الخطورة لا تقتصر على سوريا وحدها، فإنه يقول نصف الحقيقة ويخفي النصف المتعلّق بسياسة رئيس حكومته أردوغان وحزبهما الإخواني الذي اعتقد ذات ليلة ربيعية أن الظروف مهيأة لترجيع شريط الزمن واستعادة الخلافة الإمبراطورية البائدة .

كان على غول وأردوغان وداوود أوغلو، فيلسوف حزب التنمية والعدالة الإخواني وصاحب نظرية “صفر مشاكل”، أن يفكّروا في تداعيات الأزمة السورية على تركيا وسواها من دول الجوار وأوروبا، عندما فتحوا الحدود للسلاح والمسلّحين من شتى أصقاع الأرض كي يدخلوا إلى سوريا . كان على الفلاسفة في الحكومة التركية أن يدركوا أن ما يفعلونه سيرتد على بلادهم يوماً ما إذا لم يأت حساب البيدر مطابقاً لحساب الحقل، وربما حتى لو كان مطابقاً .

من يراقب ويحلّل، على نحو موضوعي، مسار السياسة الخارجية الذي اشتقّته تركيا الأردوغانية في السنوات الأخيرة، لن يحتاج لجهد كبير كي يستنتج أن المنظومة الحاكمة  فكّرت وخطّطت بمنطق الجماعة الحزبية وليس بمنطق الدولة، وحين أدارت بعض الملفات بذكاء، كموضوع غزة، كان أفق الإدارة قصير المدى وغير منسجم مع نفسه في الشعار والهدف . فالضجّة الكبرى التي أثيرت حول العدوان الوحشي الصهيوني على غزة، سبقها صمت مطبق إزاء عدوان أشد وحشيّة على لبنان . ثم بعد ذلك لم تتعامل حكومة “التنمية والعدالة” بالأسلوب نفسه مع العدوان الثاني على غزة في 2011 . وبدا واضحاً أن وصول الإخوان للسلطة في مصر قد شكّل تحقيقاً لقسم كبير من أهداف السياسة التركية في المنطقة، لذلك تركت للنظام الإخواني في مصر أن يتعامل مع ملف العدوان على غزة بطريقة رضيت عنها تركيا، في حين أن اتفاق الهدنة الذي رعاه مرسي تأخر أربعاً وعشرين ساعة إلى أن وصلت هيلاري كلنتون إلى مصر للمصادقة على الاتفاق .

أما الحديث الآن عن سوريا بهذه الطريقة المرتجفة، فهو مرتبط بسقوط نظام الإخواني في مصر، وفي هذا الملف أيضاً بدا الأسلوب الحزبي سيد السياسة التركية بأوضح الصور، لكنّها سياسة تفتقر للّباقة والكياسة، إذ ليس مقبولاً أن تتدخّل أية جهة في الشأن الداخلي لدولة بحجم مصر، وأن تصف إرادة ملايين المصريين على مزاجها ووفق أهوائها، مرة بأنها ثورة ومرة بأنها انقلاب .

حكومة تركيا التي قبلت تعبيراً “إسرائيلياً” باهتاً عن “الأسف” عن استشهاد تسعة أتراك في المياه الدولية، لم تكن حريصة على شعار “صفر مشاكل” وهي تبرم اتفاقاً ينص على مغادرة مسلحي حزب العمال الكردستاني إلى الأراضي العراقية، ولم تعمل بموجب هذا الشعار حين أرسلت أوغلو إلى إقليم كردستان العراقي، من وراء ظهر الحكومة العراقية . وبعد هذه المسيرة السياسية المضطربة، ومع خسارة “الأم” في مصر، من الطبيعي أن يشعر غول أن حكومة تركيا كمن أدخل الدب إلى كرمه .

23/5/131213

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك