عمران طه
لطالما كان العراق، قلب العروبة النابض ورمز الإباء والولاء لقضاياه المصيرية، عصياً على أي محاولة لاختراق وعيه أو تزييف قيمه.
لكن ما يثير الاستغراب والاستنكار هو التكرار الملحوظ لاستضافة شخصيات مصرية معروفة بتبنيها الصريح لآراء منحازة للكيان الصهيوني الغاصب، ألا وهو الروائي يوسف زيدان ،ومن قبله المطرب الهابط محمد رمضان بملابسه التي تشبه ما ترتديه الجواري الغانيات.
لقد بلغ الاستفزاز ذروته في قلب العاصمة بغداد، وتحديداً في معرض العراق الدولي للكتاب الذي أقيم في 11 كانون الأول/ديسمبر 2021 فبدلاً من أن يكون هذا الحدث منصة للثقافة الأصيلة والقيم الوطنية، تحول إلى ساحة لتلميع شخصية لا تخفي دعمها للتطبيع، حيث وُجهت الدعوة ليوسف زيدان للمشاركة وسط تغطية إعلامية واسعة واحتفاء لا يليق بمن يطعن في صميم قضيتنا الفلسطينية وقدسنا.
إن مواقف يوسف زيدان الداعمة للتطبيع ليست خافية على أحد، بل صرح بها بوقاحة قائلاً: "إسرائيل عدو عاقل" وتمادى بالقول: "لو دعيتُ لزيارتها لذهبت" ولم يكتفِ بذلك، بل تجرأ على المساس بمقدساتنا بالقول: "القدس ليست مكاناً مقدساً"، و"المسجد الأقصى الموجود في القدس ليس هو المسجد الأقصى" ليختم وقاحته بوصف الرافضين للتطبيع بـ "الجهلة"
أمام هذه التصريحات الصادمة، كان من المتوقع أن تصدر من المؤسسات الثقافية العراقية المعنية موقف رسمي حازم وواضح، لكن ما رأيناه هو صمت مريب وتكرار للدعوات والاستضافات.
لم تكن استضافة 2021 هي الأولى، ففي عام 2018، حاول زيدان دخول العراق عبر إقليم كردستان للمشاركة في معرض أربيل، لكن سمة الدخول تلك لم تمنحه حق دخول باقي محافظات العراق، وهنا تدخلت جهات اخرى وسمح له بزيارة بغداد، ليشارك في ندوة ثقافية أقامتها مؤسسة المدى للثقافة والإعلام التي يرأسها فخري كريم، في خطوة أثارت استياءً واسعاً في الأوساط الوطنية.
وفي تطور أخير يثير الشكوك، ادعى يوسف زيدان تلقيه دعوة من رئيس الوزراء للمشاركة مجددًا في نشاط ثقافي داخل العراق، هذا الادعاء الخطير لم تؤكده أي جهة رسمية عراقية حتى الآن، وهو ما يدعو إلى التساؤل عن مصداقيته، خاصة في ظل ما يمر به العراق من ضغوط دولية وإقليمية خبيثة تهدف إلى تمرير مشاريع التطبيع بأوجه ثقافية واقتصادية ناعمة.
إن استضافة شخصيات تحمل مثل هذه الآراء التطبيعية العلنية، سواء كانت بدعوة رسمية أو بجهود من مؤسسات قد تكون محسوبة على جهات معينة، لا يمكن اعتبارها مجرد نشاط ثقافي بريء. بل هي جزء لا يتجزأ من مشروع خبيث يهدف إلى إعادة تشكيل الوعي العربي تجاه العدو الصهيوني، وتليين المواقف الصلبة الرافضة للغصب والاحتلال، إن تجاهل التصريحات الوقحة والمتكررة التي يطلقها زيدان حول القدس وفلسطين ليس سوى تواطؤ ضمني مع هذا المشروع المشبوه.
إضافة إلى مواقفه السياسية المنحازة، يواجه زيدان سلسلة من الاتهامات المشينة بالسرقة الأدبية، حيث اتهمه الكاتب المصري علاء حمودة يوسف بسرقة رواية "عزازيل"، وأشار الكاتب التونسي كمال العبادي والروائي المصري رؤوف سعد إلى سرقته لرواية "أعداء جدد بوجه قديم" لأومبرتو إيكو، هذه الاتهامات تلقي بظلال كثيفة على مصداقيته وأمانته الفكرية، وتزيد من الغضب والاستياء إزاء محاولات تلميعه واستضافته في بلد عريق كالعراق.
في ضوء هذه الحقائق المرة، فإن دعوة يوسف زيدان وتكريمه داخل العراق لا يمكن فصلهما مطلقاً عن السياق الأوسع للتطبيع الثقافي الخبيث، وهي خطوة استفزازية يجب أن تُواجَه بموقف شعبي ورسمي حازم وقاطع، يحفظ للعراق موقعه التاريخي الراسخ في الدفاع عن القضية الفلسطينية ورفض كل أشكال التطبيع الذليل.
إن العراق، بتاريخه العريق وقيمته الرمزية في محور المقاومة الشريفة، يجب ألا يكون مرتعاً لتبييض وجوه المطبعين أو منصة لتمرير المشاريع الناعمة التي تستهدف وعي شعوبنا الحرة، إن السكوت عن هذا المسار الخطير ليس حياداً، بل هو مشاركة غير مباشرة في تهيئة الأرضية الخصبة للتطبيع الكامل سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وهو ما يرفضه شعب العراق الأبيّ بكل قواه وإرادته الصلبة.
https://telegram.me/buratha
