المقالات

حينما وضع انصار الحسين (ع) تاج الخدمة على رؤوسهم

180 2025-08-10

طاهر باقر

هم خدام لكنهم ملوك! وكيف يكون الخادم ملكا؟ هل يعقل ان يتحول الخادم الى ملك في نفس الوقت؟ هذا الكلام اكتبه واذكر مقاطع الفيديو المصورة لتتويج الرادود الحسيني الشهير ملا باسم الكربلائي وهم يتوجونه بتاج مرصع بالذهب والألماس، نستغرب هذا المنظر لان الشعوب تتوج الملوك حتى تؤكد ولاءها للشخص الاول في البلاد فماذا يعني تتويج خادم الامام الحسين عليه السلام؟ انه تصرف عفوي من هذا الشعب العظيم الذي يعتبر خدمة الامام الحسين هي الاسمى وان خادم الامام الحسين هو الاول؟

الامام الحسين عليه السلام لديه السلطة والقدرة بان يحول الخادم الى ملك متوج بتاج مرصع بالذهب والالماس، يقولون ان الامام الحسين عليه السلام هو "ميت لايضر ولاينفع" اذا كان الامر كذلك فكيف تم تتويج خادمه بتاج مذهب بعد الف واربع مائة عام من استشهاده؟ هؤلاء البسطاء لايفهمون ان التتويج بتاج الذهب هو شيئ قليل والاعجب من ذلك هو ان الامام حولّ خادمه الى ملك حقيقي على قلوب الناس هذا الخادم الذي نذر نفسه وحياته للامام الحسين عليه السلام اعطاه الامام كل مايريد واهم ما اعطاه "حب الناس".

الخادم ليس بحاجة الى تاج مرصع بالذهب لان خدامة الامام الحسين عليه السلام هي اعظم تاج يمكن ان يضعه الخادم على راسه ومن هنا اعاد الملا باسم تاج الذهب واهداه الى حضرة ابي الفضل العباس عليه السلام، نحن هنا اوردنا اسم الملا باسم كمثال والمقصود هم جميع خدمة الامام الحسين عليه السلام فكلهم توج على الراس ويستحقون اسمى انواع التكريم والتبجيل لان الاحتفاء بهم هو تعظيم للامام الحسين عليه السلام.

بخلاف حالنا نحن الاشخاص العاديون فمعظم تفكيرنا ينصب حول كيفية جني الاموال؛ لم يفكر خادم الامام الحسين عليه السلام كيف يتدبر معيشته وكيف يؤمن لقمة عيشه، ونجد انه نذر حياته في خدمة الامام الحسين عليه السلام وصبّ كل تفكيره ووجوده في سبيل تقديم افضل مستوى من الخدمة، وفي المقابل اضفى الامام الحسين عليه السلام لمساته الحنونة على خدامه ولم يتركهم يعانون في دروب الحياة ورشملتهم رعايته للدارين.

واليوم نلاحظ تأثير القصيدة الحسينية على الشباب وكيف يستخدم الشاعر الحسيني قصيدته لبيان اوسع باقة من الافكار والقيم والمبادئ الاسلامية، فالقصيدة الحسينية لاتكتفي بالحزن للوصول الى قلب المستمع وهناك قصائد تركت اثرا عظيما ثقافيا وفكريا واجتماعيا وعلى سبيل المثال قصيدة "سفرة الى الله" للرادود القدير حيدر البياتي والشاعر الكبير مصطفى العيساوي، ساهمت هذه القصيدة في توحيد الامة بمختلف طوائفها واديانها على حب الحسين وجعلت الناس يدركون ان قضية الحسين هي قضيتهم.

لقد امتزجت قوة اداء الرادود حيدر البياتي مع فخامة المعاني التي اضفاها الشاعر مصطفى العيساوي على قصيدته وكلها ساهمت في تحويل القصيدة الى ظاهرة ثقافية امتدت الى كافة بقاع العالم واصبح المسيحي والصابئي والايزدي يلتذون بسماع القصيدة لانها تمثل القيم التي يؤمنون ويعتقدون بها لان الامام الحسين عليه السلام ثار ضد الظلم والاضطهاد؛ وكل العقائد والاديان هي تنبذ الظلم.

في نفس القصيدة يتحدث الشاعر عن خدمة الامام الحسين عليه السلام ووصفها بارقى الاوصاف واعتبرها من العجائب السبعة حول العالم وهذا تشبيه عظيم صادق لما يحدث في زيارة الاربعين؛ لان مايحدث في زيارة الاربعين هو خارج عن تصورات البشر، وتحدي لكافة ادعياء الحضارة والتمدن ان يقدموا مايشابه هذا الحدث العظيم الذي لم تشهده البشرية في كافة عصورها!.

لقد تطرقت قصائد الشعراء الحسينيين الى العلاقة العجيبة بين الخدام وبين الامام الحسين عليه السلام ولابد من القول ان قصيدة واحدة لاتكفي لتوضيح هذه العلاقة المقدسة وبخلاف مايظن البعض ان الخدامة هي عطاء من طرف واحد هم نجد الرادود الكويتي علي بوحمد يبين لنا في قصيدة " لولا هالخدمة " للشاعر المفوه "عبد اللطيف خالدي" بان الخدام هم الذين ينعمون بعطاء الحسين وان الامام هو الجابر لكسورهم وجروحهم وآلام قلوبهم وبهذه الخدمة يحصل الخادم على الرفعة، ومن دون هذه الخدمة يتيه الموالي في طرق الحياة فالخادم يتنفس هواء الطف وكل مايتمناه ان يبقى خادما للحسين حتى المنية فهو يتعذب بهذا الحب المقدس حتى تخرج روحه من بدنه وهو يلهج باسم الحسين.

هو عذاب مقدس لكنه فيه حلاوة غريبة طعمها ياتي من عالم الغيب اسمعوا لما يقوله الملا علي الساعدي في قصيدة "سيد الاحساس" للشاعر ميثاق الحمداني "يحسين وتحله ايامي.. من اخدم بالمواكب.. وي خدامك تلگاني.. صاحب يسند لصاحب.. شاب بصف شاب يخدمك.. ولازم ويانه شايب.. يحشمنه ويراقب" وربما يسخر الجهلاء من تصرفات خدام الامام الحسين عليه السلام والخدمات التي يقدمونها لزوار الامام الحسين لكنهم لايعلمون ان هذه الخدامة هي توفيق وصك لايحصل عليه الا اشخاص انتدبوا لهذا الامر ويضيف الساعدي "خليني بهالخدمه.. لا تحرمني النعمه.. خليني اعيش واموت اعله ايدك..حسين ولو حل موتي.. لا تترك تابوتي..لو هالوا ترابي عليه اريدك".

جلس العباقرة والفلاسفة وكل اطياف العالم لتفسير هذه العلاقة بين الموالين والامام الحسين عليه السلم وجميعهم فشلوا وكل يوم هم يخرجون لنا بتفسير بينما لخص الرادود محمد الجنامي هذه العلاقة في قصيدة للشاعر كرار حسين الكربلائي بجملة واحدة بانها "درب للعشك" فهذا الدرب لايحده الدين او المذهب او اللغة والقومية فالعشق لايعرف كل هذه الحدود ولذا من بين من يعشقون الحسين مسيحيون وصابئة وايزديون تقول القصيدة : "للـناس معشوك ... عنوان للشوك.. محبوب للروح ... بالخيل مسحوك .. منو شايف منو سامع ميت عايش بكل زمن.. و اسهامه شافنه صدره بي مضيف الحسن.. للضايع للخايف صارت كربلاء الوطن .. دك باب الحسين و يروح التعب.. مـحد يقيـم الذهب غيـر الذهب" عندما تقرا هذه المشاهد تجد انها طرية وغير بالية بل هي ساكنة في صدور وعقول الناس ومن هنا تقول القصيدة " يا ناس هـيـهات ... عـباس ما مـات .. ابكل گاع تلكون ... لحسين خيمات .. خيماته ما طاحت وانشوف المواكب خيم .. و الزاير ما يتعب ما دام الدرب بي خدم.. من يطلب يتدلل كلها اتكله صار و نعم".

ومن اجمل صور العلاقة بين الخادم والامام الحسين عليه السلام هي الصورة التي قدمها الرادود محمد باقر الخاقاني والشاعر احمد الهلباوي في قصيدة "سالفتي نحيب" ولكن كيف انعقدت هذه العلاقة ؟ بين الامام الذي جاء الى العراق غريبا لكنه "ملكني وطن" وهذا شيئ يفوق المعقولات كيف يكون الشخص غريبا لكنه يُملّكُ الخادم وطنا ياوي اليه بعدما كان غريب الاوطان، لقد اصبح الحسين نفسه هو الوطن وهو الملجأ وكلما ضاقت الامور بالخادم عاد الى محبوبه ووطنه، والمثير في القضية ان هذا الخادم هو ايضا كان تائها وغريبا فمن الذي ارشده الى هذا الوطن؟ تقول القصيدة "دلاني عليه" يعني ان الامام الحسين عليه السلام نفسه جذبه الى معرفة تفوق المعارف الدنيوية انها معرفة من مكنون الهي لايعرف الخادم نفسه سر هذه العلاقة وسر هذا الحب الابدي وتراكمت هذه العلاقة وكبرت وامتزجت حياة الخادم بهذه القضية حتى اصبح مشربه ومأكله ويقضته ونومه تتلخص بكلمة واحدة "حسين" ندخل في اللامعقول من جديد ونسأل كيف سيؤمن الحسين الذي استشهد قبل الف واربعمائة عام حياة هذا الخادم وهنا تكشف القصيدة العلاقة المستترة بين التاريخ والحاضر بين عطاء الدم والحياة الكريمة للخادم؛ يجب ان يقدم الامام الحسين عليه السلام خيامه للحرق حتى لاتحرق خيامنا وبيوتنا، ولابد ان يقدم الامام الحسين عليه السلام رضيعه للذبح لكي لايذبح ابناءنا ولابد ان تسبى زينب سلام الله عليها لكي تعيش نساءنا حرية العقيدة والكرامة، القصيدة تقول "اعطانا خيمة وطاحت خيمته" وبهذه السالفة بالذات اصبح هذا الخادم كبيرا "سواني كبير" بينما هو نام على الرمضاء من دون غطاء ويرمى جسده على التراب لثلاثة ايام من غير كفن.

وفي قصيدة "تذكرة عشق" للشاعر علاء عبد يتحدث الملا مسلم الوائلي عن سفرة سيقوم بها ولكن لايعرف من اي مدينة يبدا بها والى اين ستبحر شراعه فهو كاتب رسالة بدمعته لكنه لايجد الساعي التي يوصلها للامام الغائب فانت يامولاي تعيش في احلام المساكين لكي تخلصهم مما هم فيه.

واما الملا خضر عباس فهو في قصيدة "كل خطوة نمشيها" للشاعر محمد رسول الحميري ينقلنا الى عالم آخرعالم جميل كله ود وحب والفة ليس فقط بين ابناء الدين الواحد من المسلمين بل حتى الموحدين من الاديان يمكن ان يجمعهم الحسين في خيمة واحدة فيقول " بده بده بده بده بده زحف النشامه بده ثار الإمامه بده صوت الكرامه بده بده بده بده بده يلتم شملنه بده شيعه ويهَ سنه بده يفرح وطنه بده بده بده بده" لقد انقلب الحزن الى فرحة وطن وهذا هو مايريده الحسين عليه السلام ان نصنع وطنا معافى من الطائفية والاختلاف والانقسام وهذا انتصار.

الرادود علي مهدي وفي قصيدة ثار الله للشاعر محمد الصياحي يتكلم عن انصار الحسين الذين يتباهون بهذه الرتبة لقد كتبوا اسماءهم في معسكر الامام الحسين من عالم الذر وقد حفظوا بضمائرهم انهم قدموا بيعة الطف للامام الحسين عليه السلام لقد عاهد الانصار الزهراء عليها السلام ان يعلنوا موقفهم في عاشوراء "وهذا العهد لاينسى للمنية نترك ابن الزكية لا والله".

وفي قصيدة "لبيك " للرادود محمد الخياط يلفت الشاعر الحسيني علي العابدي النجفي في قصيدته الى معاني عظيمة في الولاء والانتماء الى هذا الخط وهذه هي تربية الغيرة الحيدرية التي تعلمها الموالي ولن ينثني عنها ابدا "مانتخذ ليلك جمل لبيك يابن الطاهرة" لقد توضؤوا بدمع الخيم لما بدأ فرض العمل وهنا رفع الشهادة حبيب بن مظاهر "وذن حبيب اشهد انه بقلبي غيرك منوجد" لقد طلقنا الدنيا لحبك ياحسين ياقل هو الله احد لبيك يابن الطاهرة" عندها ارتفع صوت عابس "حب الحسين اجنني وتساءل على طول التاريخ هل منافس جنته ؟".

الرادود مرتضى حرب يصف العلاقة بين الامام الحسين عليه السلام والخادم في قصيدة بكلمات الشاعر عبد الخالق الحريشاوي "ينازفلي عطش" انها ليست علاقة امام ومأموم فحسب بل هي علاقة حبيب ومحبوبه وهذا الهيام لايقتصر على عدد من الدمعات يسكبها المحب لفقدان حبيبه فكل ايامه اصبحت محرم لفقدان حبيبه المذبوح ضامي هو القتيل بارض العشق الالهي حتى تحدب ظهره فليس من المعقول عشرتنه تنقضي بايام عشرة.

والآن حان وقت الشكر للخدام كما يقول الملا مصطفى السوداني في قصيدة "شكرا لكم" للشاعر ميثاق الحمداني ويقول "للشكر آن الاوان باسم صاحب الزمان" فالسيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها هي التي ستوزع الرتب على الخدام والغريب ان القرآن ذكر ان الغاوين هم الذي يتبعون الشعراء لكن السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها هي التي ستدفع وتدعم من يكتب عن الامام الحسين عليه السلام.

ولايقتصر دور الخدامة على الرواديد او شعراء الطف الحسيني بل هذا مجال واسع يشمل كافة ابعاد القضية الحسينية من المنبر الذي يبوح بالفاجعة الاليمة ويكشف الابعاد الفكرية والتاريخية للقضية وكذلك المواكب والهيئات الحسينية والتي يؤكد المشاركون فيها من خلال الشعارات التي يرددونها ولاءهم والتزامهم الى الابد بالقضية الحسينية، وفي زيارة الاربعين هناك المشاركة المليونية من افراد الامة صغارا وشيوخا ونساءا وهم يتنافسون في تقديم افضل الخدمات لزوار الامام الحسين عليه السلام في هذه المناسبة الخالدة.

لقد تخلدت القضية الحسينية وخلدت معها اسماءا كثيرة و"من لصق نفسه بالحسين عليه السلام اصبح اسمه في الخالدين".

بقلم: طاهر باقر

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك