المقالات

الكرد الفيليون في العراق: جذور عميقة وآلام مُستمرة وتطلعات نحو الإنصاف..!

413 2025-04-08

الخبير بالشأن السياسي والأمني طه حسن الأركوازي ||

 

الكرد الفيليون ، شريحة أصيلة من النسيج الاجتماعي العراقي ، يستوطنون المناطق الحدودية بين العراق وإيران ، وتمتد جذورهم التاريخية عميقاً في هذه الأرض ،

 

يتوزع أبناء هذا المكون في محافظات بغداد وديالى وواسط وميسان ، وصولًا إلى إقليم كردستان ، حاملين معهم لهجتهم الفيلية المتميزة ، المنبثقة من الكردية الجنوبية ، وثقافتهم الغنية وتقاليدهم العريقة ،

 

وعلى الرغم من إسهاماتهم التاريخية في مختلف جوانب الحياة العراقية ، الاقتصادية والتجارية ، والثقافية ، فقد واجه الكرد الفيليون فصولًا قاسية من التمييز والاضطهاد الممنهج على امتداد تاريخ العراق الحديث ، تاركة جراحاً عميقة لا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم ، أسعى من خلال هذا المقال إلى إلقاء الضوء على هذه المظالم الجسيمة التي لحقت بالكرد الفيليين ، مع التعريف بهذا المكون العراقي الأصيل وعشائره وتقديرات أعداده ، وربط هذه المأساة بسياق الواقع العراقي الراهن وتطلعاتهم نحو تحقيق العدالة والإنصاف .

 

الكرد الفيليون : مكون أصيل بتطلعات مشروعة

فهم ليسوا مجرد مجموعة سكانية على هامش التاريخ، بل هم مكون عراقي أصيل ذو جذور عميقة وإسهامات واضحة.

 

إن معاناتهم الطويلة والمريرة تستدعي وقفة جادة من الدولة والمجتمع العراقيين لإنصافهم وجبر ضررهم بشكل كامل. إن تحقيق العدالة واستعادة الحقوق وتمكينهم من المشاركة الفاعلة في بناء عراق ديمقراطي تعددي يمثل ضرورة وطنية وأخلاقية.

 

من هم الكرد الفيليون ، جذور تاريخية وإسهامات مجتمعية :

 

للكرد الفيليين تاريخ عريق في العراق ، حيث سكنوا مناطقهم الحالية لقرون طويلة ، لعبوا دوراً هاماً في الحياة الاقتصادية ، خاصة في بغداد ، حيث برز العديد منهم في الأنشطة التجارية المختلفة ، مساهمين بذلك في ازدهار العاصمة ، كما كان لهم بصمات واضحة في الجوانب الثقافية والاجتماعية للمجتمع العراقي بتنوعه .

 

عشائر الكرد الفيليين وتنوعهم :

 

يُشير اتحاد الأكراد الفيليين إلى وجود 15 عشيرة رئيسية ضمن هذا المكون ومع ذلك ، يظل تحديد هذه العشائر بدقة موضوعاً لتعدد المصادر واختلافها ، فبينما تُشير بعض المراجع إلى تقسيمات أوسع مثل اللور ( بفرعيها الكبرى والصغرى التي تضم أكثر من مئة قبيلة وعشيرة )، واللك ، والكلهور ، والگوران ، والشبك ( الذين يشكل الفيليون نحو 70% منهم مع وجود خليط من الكورمانج والقزلباشية )،

 

تذكر مصادر أخرى عشائر وقبائل محددة مثل: الاركوازية ، الزنگنه ، داوودي ، باجلان ، روژبياني ، بيات كلهور ، شوانكاره ، شيخ بزيني ، بختياري ، لك ، گوران بيچگ ، هذا التنوع العشائري يعكس عمق الروابط الاجتماعية والثقافية داخل هذا المكون العراقي .

 

وطأة الظلم سجل مُرّ من التمييز والاضطهاد :

 

لقد تحمل الكرد الفيليون وطأة سياسات تمييزية واضطهاد ممنهج ، بلغت ذروتها في عهد نظام حزب البعث، وتركت ندوباً عميقة في ذاكرة هذا المجتمع ، تتجلى هذه المظالم في صور متعددة :

 

1- إسقاط الجنسية والتهجير القسري : جريمة بحق الإنسانية في أواخر الستينيات وبداية السبعينات ، تصاعدت حملات التهجير القسري التي أستهدفت الكرد الفيليين ، وبلغت أوجها في عام 1980 ، مستغلةً أجواء الحرب العراقية الإيرانية ، تجسدت قسوة هذه الحملات في قرارات تعسفية ، وعلى رأسها القرار سيئ الصيت رقم ( 666 ) ، الذي جرّد عشرات الآلاف من الكرد الفيليين من جنسيتهم العراقية ، ليُصنفوا زوراً وبهتانًا كـ “إيرانيين بالتبعية”. ونتيجة لهذه السياسات اللاإنسانية ، تم تهجير ما يُقدر بنحو نصف مليون كردي فيلي قسراً عبر الحدود إلى إيران ، مصحوباً بمصادرة تعسفية لأموالهم وممتلكاتهم الثابتة والمنقولة ، في أنتهاك صارخ لحقوق الإنسان .

 

2- إحصائية ودليل : تُشير التقديرات الموثقة إلى أن قرابة نصف مليون كردي فيلي تم تهجيرهم قسرًا إلى إيران في عهد صدام حسين ، تاركين خلفهم تاريخاً وجذوراً وممتلكات نُهبت .

 

2- الاختفاء القسري والإعدامات : جرح غائر في الذاكرة الوطنية لم تتوقف فصول المأساة عند التهجير ، بل أمتدت لتطال أرواح الآلاف من شباب الكرد الفيليين ، الذين طالتهم يد الاختفاء القسري ، خاصة أولئك الذين كانوا يؤدون الخدمة العسكرية ، حيثُ تشير الإحصائيات المؤلمة إلى أن ما يقارب 20 ألف شخص من أبناء هذا المكون غيبتهم آلة القمع البعثية ، ولا يزال مصير غالبيتهم مجهولًا حتى اليوم ، مما يضاعف من حجم المأساة ويُبقي جرح الفقد مفتوحاً . كما نفذ النظام عمليات إعدام ممنهجة بحق العديد من الكرد الفيليين في بغداد وديالى وواسط ومناطق أخرى ، في محاولة لإرهاب هذا المكون وكسر إرادته .

 

3- إحصائية ودليل : يُقدر عدد المختفين قسرًا من الكرد الفيليين بحوالي 20 ألف شخص ، ولا يزال مصيرهم مجهولًا ، يمثلون علامة سوداء في سجل حقوق الإنسان في العراق .

 

4- التمييز والحرمان من الحقوق : إقصاء ممنهج حيث عانى الكرد الفيليون من التمييز والإقصاء في مختلف مناحي الحياة ، حيث حُرموا من فرص متكافئة في العمل والتعليم والمشاركة السياسية الفاعلة كما قُيدت حرياتهم وحقوقهم المدنية والسياسية بسبب نظرة النظام إليهم بعين الشك والريبة ، مما أثر سلبًا على تقدمهم واندماجهم الكامل في المجتمع العراقي .

 

5- تم أستخدامهم كدروع بشرية وتجارب للأسلحة الكيميائية: فصول وحشية خيث تشير تقارير موثوقة إلى أستخدام أعداد من الكرد الفيليين كدروع بشرية في الخطوط الأمامية خلال الحرب العراقية الإيرانية ، في أنتهاك صارخ لقوانين الحرب والإنسانية ، بل وتذهب بعض الشهادات إلى حد الإشارة إلى إخضاع بعضهم لتجارب الأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً ، مما يمثل جريمة حرب مكتملة الأركان .

 

6- إحصائية ودليل : أدانت المحكمة الجنائية العراقية العليا مسؤولين في عهد صدام حسين في قضايا تتعلق بأستخدام مدنيين كدروع بشرية ، وتشير بعض الأدلة إلى تورط النظام في استخدام الكرد الفيليين في تجارب للأسلحة الكيميائية ، وهي جرائم تستدعي تحقيقًا ومحاسبة كاملة .

 

7- تغيير التركيبة السكانية : محاولات طمس الهوية سعت سياسات النظام البعثي إلى تغيير التركيبة السكانية في المناطق التي يقطنها الكرد الفيليون عبر تهجيرهم قسراً وإحلال سكان آخرين مكانهم ، في محاولة لمحو هويتهم وتاريخهم في تلك المناطق ،

الاعتراف المتأخر ومسارات جبر الضرر المتعثرة .

 

بعد سقوط نظام حزب البعث في عام 2003، بدأت بعض الخطوات المتأخرة للاعتراف بحجم المظالم التي تعرض لها الكرد الفيليون ومحاولة جبر الضرر ، ففي عام 2011 ، خطا البرلمان العراقي خطوة مهمة عندما صوت على أعتبار ما تعرض له الكرد الفيليون في عهد صدام حسين “إبادة جماعية”، وهو أعتراف رمزي يحمل دلالات قانونية وأخلاقية ،

 

كما تم أستعادة الجنسية العراقية لنحو 100 ألف كردي فيلي ممن سُلبت منهم ، مما يمثل بارقة أمل للكثيرين إلا أن مسيرة جبر الضرر لا تزال تواجه تحديات كبيرة ، فالكثير من القضايا العالقة لم تُحل بعد ، وعلى رأسها قضية المفقودين والمختفين قسراً ، وأستعادة الممتلكات المصادرة ، وتحقيق العدالة الانتقالية الشاملة التي تضمن عدم تكرار هذه المآسي .

 

خلاصة :

إن المظالم التي تعرض لها الكرد الفيليون في العراق تمثل وصمة عار في تاريخ البلاد الحديث ، لقد دفع هذا المكون العراقي الأصيل ثمناً باهظاً من التمييز والاضطهاد الممنهج لعقود طويلة ،

 

وعلى الرغم من بعض الخطوات الإيجابية المتخذة ، لا يزال الطريق طويلًا نحو تحقيق العدالة الكاملة وإنصاف الضحايا وعائلاتهم ، إن الاعتراف الكامل بهذه المظالم ، وجبر الضرر المادي والمعنوي ، وضمان عدم تكرارها ، يمثل امتحانًا حقيقيًا لقدرة العراق على بناء مستقبل يسوده العدل والمساواة لجميع مكوناته ، بما في ذلك الكرد الفيليون الذين يستحقون مكانتهم اللائقة كمواطنين عراقيين متساويين في الحقوق والواجبات ،

 

إن فهم هذه المأساة وخصوصية هذا المكون الثقافي والاجتماعي يمثل خطوة أساسية نحو بناء عراق مُوحد وقوي يحتضن تنوعه ويحترم تاريخ جميع أبنائه …

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك