احمد العسكري ||
منذ صعود دونالد ترامب إلى سدّة الحكم، بدا واضحًا أن الولايات المتحدة، بوجهها الحقيقي المجرد من الزينة الدبلوماسية، اختارت أن تدير علاقتها بالعالم وفق منطق القوة والمصلحة لا القانون والقيم،
في عهد ترامب، تحوّلت الدولة الأكثر نفوذًا في التاريخ الإمبريالي إلى ساحة مقامرة عالمية، تُدار فيها السياسات كما تُدار رهانات الروليت. قاد ترامب السياسة الأمريكية بعقلية المستثمر الذي جاء من عالم الكازينوهات والعقارات،
فغابت عنه ملامح رجل الدولة، وحضر التاجر الطامع والمقامر المتهور، لم يكن يفاوض شركاءه الدوليين، بل يساومهم، واضعًا مصالحه في المقدمة، ومستعدًا لخسارة الجميع طالما حقق هو الربح.
السياسات الاقتصادية لترامب، وعلى رأسها الرسوم الجمركية والعقوبات التجارية، لم تكن مجرد إجراءات حمائية، بل أدوات ابتزاز استخدمها ضد الحلفاء قبل الخصوم. بدءاً من تهديد أوروبا إلى مساومة الأنظمة الخليجية، إذ لم يتردد ترامب في التعبير عن رؤيته البازارية للعلاقات الدولية، ووصل به الأمر إلى وصف حليفته السعودية بـ”البقرة الحلوب”، التي يُستنزف حليبها حتى تجف، ثم تُذبح.
وفي مشهد يجمع بين الرأسمالية المتوحشة والتكنولوجيا المنفلتة، وجد ترامب في إيلون ماسك رجل الفضاء والذكاء الاصطناعي شريكًا استراتيجيًا، حيث تحوّل الأخير إلى لاعب محوري في توجيه المشاريع الأمريكية، خصوصًا في المجالات العسكرية والرقمية، بهذا، أصبح القرار السياسي الأمريكي مرهونًا بشركات خاصة ومليارديرات، لا مؤسسات الدولة.
في المقابل، أظهرت شعوب محور المقاومة وعيًا مبكرًا بطبيعة المشروع الأمريكي فهي منذ البداية لم تنخدع بخطاب الديمقراطية ولا شعارات “السلام”، بل واجهت الاحتلال والهيمنة بالمقاومة والتحدي فقد رفضت أن تكون زبائن في أسواق السلاح، أو تابعة لأنظمة تبيع سيادتها طوعًا، أما الأنظمة التي سارعت إلى التطبيع،
فاختارت لعب دور “البقرة الحلوب”، معتقدة أن الولاء يكفي لضمان البقاء، لكنها تجاهلت دروس التاريخ من يركع للهيمنة، يُستبدل حين تنتهي وظيفته، فرحيل ترامب أو بقاؤه لم يغيّر في جوهر السياسة الأمريكية القائم على الهيمنة والسيطرة؛ لكن هذه المواجهة، رغم اختلال ميزان القوى، ليست عبثية. شعوب تملك الوعي والكرامة قادرة على التحدي، ولو كان الخصم يملك كل أدوات القمار
https://telegram.me/buratha
