المقالات

كارثة الهارثة المروعة .. اسمعت لو ناديت حيا !!


رياض سعد

فاجعة اطفال الهارثة حصلت مثيلاتها في السابق ولا زالت تحدث وتتكرر في باقي مناطق الوسط والجنوب المهمل ؛ فبعد 24 ساعة من فاجعة البصرة ؛ تعرض طالبان إلى حادث دهس أثناء الخروج من ثانوية الأزهر في منطقة البو حداري في الكوفة ، وهكذا تستمر قوافل قرابين الاغلبية الى ما لا نهاية , فالإهمال متعمد و التقصير مقصود في مناطق الاغلبية العراقية منذ نشوء الدولة العراقية المعاصرة والى هذه اللحظة , حيث انتشرت المدارس الطينية في عهود الحكومات الهجينة والطائفية , وبنيت ولا زالت المدارس قرب الطرق السريعة والشوارع , وافتقدت ولا تزال البنايات التربوية والتعليمية لأبسط اجراءات السلامة والمواصفات العالمية المعروفة , فضلا عن الخراب الكبير في البنى التحتية .

وكالعادة الكل تنصل من المسؤولية العامة , فمحافظة البصرة تلقي بالكرة في ملعب الحكومة المركزية والحكومة تشير الى دور وزارة التربية والاخيرة تتهم المجالس البلدية ودائرة المرور العامة ... الخ ؛ ولا غرو في ذلك , اذ اننا نعيش في دولة تعمل وفقا للمحاصصة الطائفية والفئوية والحزبية , وتبعا لأهواء ومصالح الشخصيات والكتل والتيارات والعصابات والمافيات ؛ لذا نحن بعيدون كل البعد عن العمل بروح الفريق الوطني الواحد , وبسياسة التنسيق بين دوائر الدولة المختلفة لإنجاح هذا المشروع او انجاز تلك المهمة .

وطالما اشتكى الجنوبيون من سوء الخدمات وتردي البنية التحتية وخرابها ؛ وقد طالب اهالي الضحايا من سكان الهارثة الحكومات المحلية مرارا وتكرارا بإنشاء جسر مشاة لعبور الاطفال , ولكن من دون جدوى ؛ وقبل عدة ايام من الحادثة المروعة , نشر احد المواطنين ومن ذوي التلاميذ الضحايا مقطع فيديو يوضح فيه مدى خطورة عبور الاطفال لهذا الشارع ؛ قائلا فيه : (( برقبة منو ؟ ذنب منو اذا صار حادث الهاي الاطفال ؟ )) الا ان الرجل لم يطلب من الحكومة في الفيديو انشاء مجسر , لأنه يعلم علم اليقين ان طلبه سيذهب ادراج الرياح ولن يجد له اذان صاغية ؛ بل انه طالب بتوفير دورية لشرطة المرور امام المدرسة فحسب ؛ واذا بسائق الشاحنة الكبيرة وبنفس المكان الذي طالب به الرجل - صاحب الفيديو - الحكومة بتوفير الحماية للتلاميذ يدهس 50 طفل بريء ... !! وصدق الشاعر عندما قال :

لقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي

وبعد وقوع الفاجعة وكالعادة يسارع المسؤولون لزيارة اهالي الضحايا ؛ فقد زار محافظ البصرة السيد اسعد العيداني احدى العوائل المفجوعة , وقام احد ذوي الضحايا من مكانه , وخاطب السيد العيداني قائلا : (( لماذا هذا الاهمال للهارثة ؟ من صرت محافظ لليوم ما شايفينك !! )) .

ومن بؤس الاوضاع العامة في الجنوب ؛ اطلق الجنوبيون على تلك الشوارع : طرق الموت ؛ لشدة تموجها وانتهاء صلاحياته وخرابها , ناهيك عن انعدام المجسرات وجسور المشاة ومناطق العبور الامنة , واختفاء الاشارات المرورية ورجال المرور , وتقاعس الشرطة وحماية المدارس عن اداء دورهم الانساني والوطني في مساعدة الاطفال لعبور الشوارع الخطرة .

ما من عام ولا شهر يمضي الا وتحدث فاجعة هنا او هناك , وها هو العيد على الابواب ونحن في شهر الله ؛ واذا بمئات العوائل البصرية تفجع ب فلذات اكبادها , ويعلو الصياح والبكاء والنحيب في ارجاء بيوتها , وتنتشر سرادق العزاء في الهارثة ؛ وكأنهم ضحايا حرب وليسوا مجرد اطفال كانوا في المدرسة ؛ و يا حسرة الاباء ولوعة الامهات اللاتي جمعن العيديات لأطفالهن منذ اليوم الاول لشهر رمضان , ولم يعلمن ان اصحاب العيديات و طيور الدار ؛ سيغادرون الى مقبرة وادي السلام ومن دون رجعة .

والامر المؤلم الاخر ؛ تعاطي البعض بدونية وحقارة مع الفواجع والمصائب والاحداث التي تصيب اهلنا في الجنوب ؛ اذ يتعمد البعض التزام الصمت او اللامبالاة وكأن شيئا لم يكن , وتختفي منه فجأة مشاعر الغيرة العراقية والحمية الوطنية التي يصدع بها رؤوسنا في حال حصول حادث بسيط في بعض المناطق الاخرى والمحسوبة على مكون اخر , بل ان بعض الدونية من المحسوبين على الاغلبية من الذين يبادرون لزيارة ضحايا الحوادث الاخرى والبسيطة ان كانت لأبناء المكونات الاخرى ؛ يتعامى ويغض الطرف عن هذه الفواجع الاليمة والكوارث الانسانية المروعة ...؟!

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك