المقالات

بيان الانحطاط وسن اليأس الثقافي / عصر التدهور   ...

1242 2023-03-02

كندي الزهيري ||

 

لقد تحدث الفلاسفة التاريخ من بين ناقدي الغرب، لاسيما في القرن التاسع عشر للميلاد،  وأكثر من غيرهم عن الأزمة والانحطاط  ونهاية الكارثية للغرب،  والفوا وقدموا أعمالا كثيرة  بهذا الخصوص،  بمن فيهم هيغل وماركس واشبنغلو وسوركين وتوين بي وياسبرس  و....

وقد نقد كل من هؤلاء الرجال من خلال ذكر شواهد والاتيان باستدلالات،  الثقافة الغربية وأشاروا إلى علائم وارهاصات الأزمة والانحطاط،  وذكروا أحيانا الحل الذي يسهم في  إيجاد مخرج للغرب من هذه الواقعة،  لكن يجب التذكير بأن هذا النقد ينشأ وينبع من داخل " القطاع الثقافي للغرب".

وقد ولد اسوالد اشبنغلر(١٨٣٦-١٨٨٠) في مدينة(بلاكنبرغ) الألمانية،  وهو أحد كبار الفلاسفة الالمان،  ومؤلف الكتاب(تدهور الحضارة الغربية ) ، وتلقى تحصيله العلمي في الرياضيات والفلسفة والتاريخ والحضارة الشرقية،  وعرض رائعته التاريخية والفلسفية للعالم تحت مسمى ( تدهور الحضارة الغربية ) ، وقد صدر هذا الكتاب عام ١٩١٨ م ، تزامنا مع  هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.

يرى اشبنغلر في كتابه  ، ان السبب الرئيس للتدهور الثقافة يكمن في وجود المدينة الضخمة( Megapolis) أو المدينة العالمية،  أن  السكان المقيمين في المدينة الضخمة،  لا يشكلون مجتمعا،  بل  كتلة تحيى حياة طفيلية وترحالية وفارغة من الماضي أو المستقبل.  ويقول في كتاب( فلسفة السياسة ) : ويقام في نهاية طريق الحياة والثقافة الكبرى،  الهيكل الحجري ل ( المدينة الضخمة ) . ويقع أهالي تلك الثقافة ممن تنامت ونشأت قوه شهامتهم ورجولتهم،  على يد اراضي وسهول ومزارع الوطن،  في براثن حيوان خلقوه هم ( المدن) وأصبحوا عبيدا يطيعونها... أن  الكتل الجماهيرية المقيمة في منازل مستأجرة والحشود التي تقتنع بسرير،  غارقة في بحر من المستغلات.

ومن وجهة نظر اشبنغلر ، فإن أولى إرهاصات تفتت حضارة ما من الداخل،  هي " خلوها من النواة الأولية الإجتماعية الراسخة والأسرة" . ويقول : إن إستمرار العلاقات الدامية   ليس من واجبات الشعوب المتحضرة،  وأن سبب هذا العقم وانقطاع النسل ليس أنه من غير الممكن إنجاب أولاد، بل عندما يبلغ الذكاء ذروته وشدته،  فإنه لا يرى سببا لامتلاك اولاد... وفي هكذا حال فإن الرجال يحملون انطباعا آخر عن المرأة،  أي أنه على النقيض من المزارعين والفلاحين،  الذين كانوا يريدون إيجاد أم لأبنائهم المستقبليين،  فإن الرجال المتحضرين يفكرون بأن يعثروا على خلية لهم في حياتهم،  أن المرأة في الشعوب البدائية والمزارعين،  هي من أجل أن تكون أما. أن جميع الأحلام والامنيات التي تجمعت في قلبها منذ البداية الطفولة ، تتمثل في كلمة(الأم) ، لكن المرأة تتحول إلى كائن جديد في ذروة حضارتنا.  السيدة البطلة في القصص الغرامية والأدبية،  وتعشق الحرية التامة.  وعندما يفقد الزوج قدسيته ويتحول إلى مراسيم(هابطة) ...

لكن الأدلة التي يسوقونها من أجل الحمل والإنجاب،  تصنف بأجمعها ضمن رديف وأحد.  فتلك السيدة التي تريد قضاء كل موسم في المتنزه ذلك الموسم ، أو أنها تخشى أن يتخلى عنها عشيقها بعد انجابها أبناء ، أو أن تلك السيدة ( المتحررة) تريد أن تكون متعلقة بنفسها ولا ترضخ لأي شيء،  أن كل هؤلاء النساء متعلقن بأنفسهن بأجمعهم لا جدوى وطائل من ورائهن،  أن(المدينة الضخمة ) تعتبر أن الأشخاص الذين يملكون أبناء كثر ، يشكلون وسيلة جيدة للسخرية والاستهزاء. ( اشبنغلر ونظرية زوال الثقافة،  ميثم بور فضل ).

إن اشبنغلر فيلسوف التاريخ يريد كتشاف القوانين التي تحكم سير وسفر التاريخ،  ومجيئ ورحيل البشرية على أمتداد الأرض،  فالتاريخ من وجهة نظره هو كائن حي ويقدم عنه تفسيرا دوريا،  ويعتبر أن كل دورة تاريخية  تستمر  (ألف عام) ، تزول بموت حتمي بعد هذه المدة، ويقسم كل دورة إلى مرحلتين هما (الثقافة-الحضارة) ، وبما أنه يعتبر أن الحضارة تحل في المرحلة الثانية،  من كل دورة من الحياة، فإنه يعتبر تبلور التام للحضارة،  بمثابة ناقوس يدق إيذانا بموت هذه الدورة،  بحيث أنه يكتب حول التاريخ الغربي  فيقول  :

إن شعوب الغرب التي باشرت تقافتها الخاصة ، بها منذ  القرن العاشر للميلاد،  ودخلت مرحلة الحضارة منذ القرن التاسع عشر،  قد بلغت الآن أوجها من بعض الجواني فيها بدأت آثار الاهتراء والتمزق في أجزاء أخرى من تلك الديار،  وقد بدأ في الحقيقة عصر التدهور و الانحطاط في سائر المناطق ( أوروبا وأمريكا ) في جميع فروعها الحيوية،  وأن شعوب الغرب ورغم كل عظمتها وجلالها وجبروتها،  حيث اسرت العالم بأسره،  ستسير على خطى الرومان والصينيين. ( المؤرخ والتاريخ ) .

ومن وجهة نظر اشبنغلر،  فإن الثقافة تنمو كالزهور،  لكنها تبلغ في الزمن محدد،  مرحلة الشيخوخة والتدهور.

ومن غير الواضح بداية ونهاية هذه الثقافة والحضارات.

وإن كتابه(تدهور الحضارة الغربية ) الف عام ١٩١٤ م ،لكنها صدر بعد الحرب العالمية الأولى،  وتمت مناقشته بشكل واسع النطاق في عقد العشرينات.  ويقول في معرض نقده اللاذع للعصر الحاضر: إن عنصر التوسعية السائد في جميع الحضارات،  أي إحلال الفضاء الخاجي محل الفضاء الروحاني والباطني بطريقة سلطوية،  يعد من الخصائص هذا العصر. فالكم يحل محل الكيف والتوسع في السطح  ويحل محل العمق ، (التيارات الكبرى في التاريخ الفكر الغربي ).

ويصنف اشبنغلر هذا العصر الذي تفقد فيه البشرية قدرتها على الإنجاب والعطاء الروحاني،  بسن اليأس الثقافي،  ويقول:

إن العقم بمعناه المباشر والحقيقي  الجاد بالكامل،  كعلامة على المصير المحقق،  يعد خصوصية التفكير في المدينة الضخمة،  وأن إحدى الحقائق الملفتة للرمزية التاريخية،  تتمثل في أن هذا التطور يظهر نفسه في زوال الفنون الكبرى،  والأدب والفكر الكبير في جميع الميادين،  كما أن يظهر بطريقة حادة ومقيتة في هيئة صفة صبيانية و (الانتحارالعنصر ) للشرائح المتحضرة،  وهذه ظاهرة لا تقتصر علينا وكانت سائدة سابقا في الإمبراطوريات الروم والصين للأسف،  ولم يتم علاجها  طبعا .

إناشبنغلر شأنه شأن سائر الفلاسفة والمنظرين الغربيين ، يظهر جانبا من الفكر الغربي،  ويعتبر أن تاريخ العالم يشكل صورة عن التكون والتطور اللامتناهي لهيكلية الثقافية،  من دون أن يكون لها هدف سام  ومحدد وتبعا لهذه الرؤية يعتبر الصعود والهبوط،  بأنه من جوهر وذات الثقافة وينظر إلى الثقافة والحضارة الغربية،  كموجة بين الوف الموجات الثقافية والحضارية التي تتولد ومن ثم تنحسر قسرا. أن اشبنغلر يذكر بعهد شيخوخة وتدهور الحضارة الغربية بحسب الابتعاد عن العناصر الثقافية الحية،  لكنه وفي ضوء تفسير خاص يعتبر أن مسار التاريخ غير محدد الأهداف ومبني على الفلسفة التعددية في دورة لا تنتهي.

ويرى اشبنغلر أن أمامه مستقبل محبط ومخيب للآمال لكن لكن هذا المستقبل غير متعلق بالغرب طبعا..

 

ــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك