المقالات

الفرق بين الغزو الثقافي التغريبي والتفاعل الثقافي

1458 2023-01-25

د. علي المؤمن ||

 

     يرى بعض المعنيين بالخطاب الثقافي أن الحديث عن الغزو الثقافي والاغتيال الثقافي واستلاب الهوية وضرورة التحصين الداخلي، يتعارض مع المثاقفة وحوار الثقافات وتفاعل الأفكار وتكامل الحضارات، وأنه بات من أحاديث الماضي، بعد أن عملت وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلوماتية والاقتصاد العابر للحدود، على تحويل العالم الى بيت واحد، وليس مجرد قرية واحدة. 

    وهنا أقول؛ إن التفاعل الموضوعي بين الأفكار المتنوعة، والحوار الندي والمتوازن بين الثقافات، والمثاقفة الطبيعية وغير القسرية والتي لاتحمل أهدافاً استعمارية، هي مفاهيم وأمور مقبولة، بل ضرورية، لأنها هدف إسلامي أصيل بالأساس، لأن الإسلام حضّ على الاستفادة من نتاجات الآخر الفكرية والعلمية والثقافية التي لاتتعارض مع التص المقدس ((الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه))، أو كما يقول رسول الله: ((أطلبوا العلم ولو كان في الصين)). كما حض على التعارف مع الشعوب والأقوام والتحاور معها ((يا أيّها الناس إِنّا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرَمكم عند اللَّه أتقاكم))، وجعل التعارف علّة التنوع القومي والعرقي والديني، بهدف التوصل الى كلمة سواء (( قُل يا أَهل الكتاب تعالَوا إِلى كلمة سَواءٍ بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا اللَّه ولا نشرك به شيئاً وَلا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللَّه)). 

    كما لايعني الحديث عن خطاب التغريب والغزو الثقافي الغربي؛ أن الغرب شر مطلق في أفكاره ومناهجه وسلوكياته ونتاجاته، بل إن القصد هو الجانب العدواني المتمثل بالغرب المستكبر، الذي يعمل منذ ثلاثة قرون على اغتيال هوية المسلمين واستبدالها بهوية مشوهة، واحتلال البلدان المسلمة والمستضعفة، ونهب ثرواتها، واستعباد شعوبها، وليس الغرب بالمطلق، وليست الشعوب الغربية. وهنا ينبغي الفرز بين السلبي والإيجابي والمقبول والمرفوض والسيء والحسن والمفيد والضار من الفكر الغربي والسلوك الغربي، وهو المراد من مفردة ((أحسنه)) في النص القرآني ((((الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه)). وبالتالي؛ فإن قواعد الحوار الحضاري والمثاقفة والتفاعل الفكري تتعارض كلياً مع ما يقوم به الغرب من عمل ميداني هجومي عدواني في الجانب الثقافي والفكري والسلوكي، ينطوي على أهداف استعمارية وهيمنة سياسية واقتصادية وثقافية ومخابراتية، بهدف اغتيال الهوية الإسلامية وتغريب مجتمعات المسلمين. 

    ولعل الفرز بين نتاجات الغرب وسلوكياته، وفق قواعد الوعي العميق المذكورة، هو أحد أهم عناصر القدرة على مواجهة الغزو الثقافي والرد على خطاب التغريب. وبرغم سطوة أدوات الغرب في غزوه وفاعليتها وتطورها؛ أن مواجهة الغزو وصده، وتحصين الفرد والمجتمع، وحماية الهوية الإسلامية، أمور مستحيلة أو غير ممكنة، بل على العكس، هي ممكنة جداً، فيما لو توافرت الإرادة والخبرة والتخطيط والأدوات الفاعلة والعمل المتواصل، عند الأفراد والجماعات والمؤسسات ذات العلاقة، لأن مجتمعات المسلمين تؤمن أساساً بهويتها وتعتز بها، وتتقبل فكرة التحصين الذاتي والتمسك بالهوية، وهذه عوامل داعمة مهمة تسهل عملية المواجهة، بينما لايحظى الغازي الغربي وعملاؤه السياسيون والثقافيون بهذه الميزة الأساسية المهمة، لكنهم يمتلكون ــ في المقابل ــ الأدوات الفاعلة والصوت العالي والسلطة والمال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك