المقالات

ومضةٌ من وحي التجربة..


كوثر العزاوي ||

 

روي عن امير المؤمنين "عليه السلام" انه قال:

{لوِ اعتَبَرتَ بِما أضَعتَ مِن ماضي

عُمرِك ،لَحفِظتَ ما بَقِي} غرر الحِكم 

 

ثمة أشياء في الحياة لا تخضع للتجربة، وحينما تخضع لأي سبب، سيكون هناك درس، وثمن الدرس باهظًا جدًا، فالعاقل مخوَّل في سبر غور الحياة ليبحث عما يُشبِع فضولَه بهدف التكامل والإرتقاء، وإلّا فالمخاطرة "بالروح" أمر مُكلِف! الروح! تلك النقطة المضيئة في  خِلقة بني آدم ، إذ هي حقيقة الإنسان من أمر ربّه، وشخصيّته الواقعيّة وهي نفسه وذاته، فيما يمثّل الجسد والبدن قِبالها ما يشبه الآلة واللباس لها وحسب.

ولأهميتها عند بارئها، فقد جعلها هي مَن تبقى حيّة بعد أن يفنى الجسد، لذا نرى القرآن بعد أن يتحدّث عن الرفات وتلاشي الجسد، نراه يرجع فيعبّر عن صاحبه بأنّه حيّ، كما وصَفَ الشهداء بعد مماتهم في قوله تعالى:

{وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ} البقرة ١٥٤

وهذه إشارة إلى تلك الحقيقة -الروح- التي بها يحيا الجسد ويُشرق، ومَن لها بُعدٌ نفيسٌ وراء البدن، بحيث تبقى حيّة بعد تحوّل الجسد إلى رفات! ومن هذا المنطلق السامي والعالي المقام لاينبغي لمن يفهم معنى روحَه بأَبعادها الراقية أن يضعها موضع التوهين لدرجة بخسِ قيمتها ولا تَوهينها لدرجة الإضعاف والنزول بها من هرم الكرامة وقمّة الاعتبار إلى منحدر الذلة والهوان!! إنما الجدير بصاحب الروح المتسامية الطموحة إلى القرب الإلهي صيانتها من الانكفاء، وقد خوَّلَهُ الله بسياحة الأرض فيختار منها أجملها وأصلحها لروحه فيصطفي مَن يزرعهم في واحتها بدقة، لأن اختيار البذور أسهل من إقتلاع الأشجار بعد التجذّر والتعمق في فناءها، وإنّ "تعلّق الروح" بالأشياء وبما يجانسها من البشر هو أكثر ماينطبق على مضمون حديثنا، ومن نتائج التعلّق، انّه يسلب شفافية روح الانسان ويمنعه من اظهار نوره الربّاني، ويُعتِم طريق تطوّره الروحيّ!! وبذلك من السهل  أن يفقد المتعلّق فرصة اكتشافه لحقيقة روحه، مما يفضي الى استبدال جمالها- اي الروح- بالظلام ليرى نفسه في بئر من تعلّق به رغم عدم مبالاة المتعلَّق! وهنا ينبغي تدارك الامر!

ومن أجل الاعتدال وإكمال المسير الصحيح لوجودك الروحيّ- أيها الانسان- لابد من امتلاك الشجاعة بدل الخوف والخنوع، ثم السماح لروحك الشفافة أن تتحرّر من هيمنة التعلّق والدخول في رحلة التشافي والإنعتاق، إذ من المؤلم جدا أن تكون حكيمًا للآخرين ‏تائهًا عن نفسك، ترتّب لهُم الطريق وتهب لهُم الأمل، وتبعث في نفوسهم السكينة والدفء، في الوقت الذي تهيم انت وحيدًا منكَبًّا على قلبك، منكفِئًا على إحساسك، تبحث في تفاصيلهم عن لافتة تُطمئِنكَ أين أنت من مساحة ذواتهم!! بينما الكل مشغول عنك كأنك خارج أولوياتهم بما فيهم من تعلّقتَ به، إلّا واحدًا! {إنّه الله}!! يتابعك بنظراته، يُقبِلُ عليك وتدبِرُ عنه، يدعوكَ إليه وتولّي عنه!!!

فمنَ اليوم، قرّر الرحيل بروحكَ الى محضر قدسهِ وابقَ هناك وانطلق منه، رافضًا البقاء سجين الجسد والمادة، فسترى كيف أنّ الروح ستعرُج بالعشق معك لتُحلِّقا معًا في ملكوت العزة إلى الأبد، فتبًّا لدار الطبيعة المظلمة مالم تهاجر منها إلى الله بكلّك!!

 

١٩-ربيع الثاني١٤٤٤هج

١٥-١١-٢٠٢٢م

 

ـــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك