المقالات

حضر العيد وغاب الوطن

1432 2022-10-06

حمزة مصطفى ||

 

لم تتمكن أنظمة الحكم طوال 100  عام من عمر الدولة العراقية و90 عام على نيل الإستقلال بين قوسين من الاتفاق لا على اليوم الوطني ولا النشيد الوطني ولا العلم الوطني. كل هذه المسميات والعناوين تغيرت من 4 الى 5 مرات طوال هذا التاريخ الذي يمتد الى قرن كامل. لماذا؟ لعل هذا السؤال من أبسط الأسئلة من حيث الطرح  لكن أعقدها من حيث الإجابة. والسبب يكمن  في مفهوم الدولة من حيث التأسيس والهوية ونوع أنظمة الحكم. من حيث مفهوم الدولة فإن العراق الحديث كان تحت الإنتداب البريطاني منذ دخول البريطانيين العراق "محررين لا فاتحين" على "كولة" الجنرال مود عام 1917 الى دخوله عصبة الأمم عام 1932 وبالتالي يفترض إنه نال إستقلاله بدء من يوم دخوله في الثالث من تشرين الأول من ذلك العام. لكن هل خرج العراق من الهيمنة البريطانية بعد هذا التاريخ؟ الوقائع والأحداث تقول غير ذلك برغم أن العهد الملكي الذي بقي مدينا للإنكليز في تأسيس نظام حكمه وبالتالي الإسهام في مجئ ملك غير عراقي على العراق تمكن نسبيا في الأقل من بناء تجربة ديمقراطية من خلال تنافس بين أحزاب.

  في العهد الجمهوري الذي بدأ منذ عام 1958 حتى اليوم تغيرت أنظمة الحكم من عسكرية سرعان ما تناوب خلالها العسكر أنواع الإنقلابات الناجح منها والفاشل الى شمولية إمتدت من 1968 الى 2003 عندما إحتلت الولايات المتحدة الأميركية العراق حيث أصبح نظام حكمه الحالي ديمقراطيا. وطبقا للعديد من الكتاب والمؤرخين فإنه إذا كانت هناك نسخة بريطانية للعراق فإن حقبة مابعد 2003 مثلت النسخة الأميركية. وبصرف النظر عن طبيعة النسختين الأجنبيتين اللتين فرضتا على العراق فإن السؤال الهام الذي يبقى مطروحا وربما بدون إجابة هو أين هي النسخة العراقية للعراق. بمعنى أين هي المواطنة العراقية. أي الهوية الوطنية العابرة والجامعة على الهويات الفرعية سواء كانت قومية أم دينية أم مذهبية. ولعل التجلي الأكبر لهذه الإشكالية التي تتصل بالهوية هو إعتماد يوم 3 تشرين الأول عيدا وطنيا للعراق. الكثيرون يتساءلون عن فحوى إختيار هذا اليوم دون سواه لاسيما هناك خلافات بشأن هذا اليوم لجهة الإتهام بأن دخول العراق عصبة الأمم لايعني الإستقلال الكامل. إذن هل هناك رمز وطني أو ديني أو قومي يمكن أن يجمع عليه العراقيون؟ الخلاف هنا سيد الموقف. الأمر نفسه ينطبق على العلم المختلف عليه وعلى النشيد الوطني المتنازع عليه.   

إذن لدينا إشكالية في هذا السياق. لكن هل هي إشكالية سياسية أم إجتماعية أم فكرية؟ وهل إشكاليتا هذه بصرف النظر عن عائديتها ترتقي أن تكون أزمة هوية؟ أم أزمة وطن؟ ربما هناك من يرى أن الهوية وإن تتقاطع طبقا للإنتماءات دينية كانت ام عرقية أم مذهبية لكنها تبقى أهون من أن تكون أزمة وطن. بمعنى إننا لم نفق على الوطن لكي ننسجم على صعيد الهويات. ولعل التجلي الأكبر لهذا الإشكال المهول والمرعب هو ما نادى به ثوار تشرين عام 2019 حين رفعوا شعارا واحدا أول الأمر قبل أن تتشظى المطالب والتوجهات والمسالك وهو "نريد وطن". ولأن لدينا دولة إسمها العراق وهو جمهورية معترف بها من قبل الأمم المتحدة وعضو مؤسس في الجامعة العربية ولديها هيئة حكم كاملة ووزارات ومؤسسات وتوزع رواتب بمليارات الدولارات وتنفق مثلها على البطاقة التموينية لملايين من العراقيين ولديها كهرباء بقطع مبرمج تسمى الوطنية فإن السؤال الإعتراضي هنا أين الإشكالية إذن؟ لماذا تبحثون عن وطن؟ في تصوري أن المشكلة هنا هي ليست في هوية العراق ولا في ثرواته ولا في خريطته الجغرافية أو السياسية وإنما في أزمة الحكم الرشيد. العراقيون يبحثون عن حكم رشيد فقط. فهم يمتلكون كل مايؤهلهم لأن يكونوا دولة مهمة بما تمتلكه من ثروات وطاقات وإمكانيات وموارد لكن ينقصهم الحكم الرشيد, بل الرجل الرشيد. وهذه إشكالية كبرى جعلت العراقيين يحيون عيدهم الوطني على إستحياء باحثين عن الوطن الغائب في يوم عيده.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك