المقالات

القلب يعشق..!


علي علي ||

 

واحرص على حفظ القلوب من الأذى

             فرجوعها بعد التنافر يصعب

إن القلوب إذا تنافر ودها

            مثل الزجاجة كسرها لايشعب

  من المفردات المرادفة للقلب في لغتنا العربية: الجَنان، الروع، البال، الفؤاد، الصميم، المقتل، التامور، الجزانة، الخلد، الاصمع، وقد حبا الله هذا العضو مزايا خاصة، للحفاظ عليه من التأثيرات الخارجية. ولم يفت الانسان هذا الجانب من الخصوصية، فراح سليم النيات يولي هذا العضو اهتماما سليما طيبا، فكانت النتائج طيبة أيضا، ففاح ذاك القلب مودة ومحبة وخيرا وافرا. فيما راح سيئ النيات باقتناص الثغرات ونقاط الضعف في هذا العضو بغية إيقافه، فكان بفعله هذا "كأنما قتل الناس جميعا". وقد ذكرت في مطلع مقالي هذا بيتي الشعر.

  ففي القلب إذن، تكمن كثير من المفاهيم، ندرك نحن بني آدم بعضها، وبعضها علمها عند علام الغيوب.

   ٤٣٧٬٠٧٢ كم2 هي مساحة العراق، يشكو كل متر فيها من ظاهرة انتشرت كالنار في الهشيم، وتسببت في نكوص مؤشرات التقدم والتطور في مفاصل البلد كافة، بل هي تنخر جذع الدولة من الداخل حتى يكاد الخارج منه يتداعى من شدة الوهن، ومن المؤكد سيكون تداعيه -لاسمح الله- على رؤوسنا جميعا، كما يقول المثل: "الحايط لو مال يميل على أهله". تلك الظاهرة هي الفساد، بأنواعه وأشكاله وأماكن اشتغاله غير المحدودة، وفي حقيقة الأمر أن هذا الوباء متوارث من سياسات النظام السابق الهوجاء، ولسوء حظ العراقيين فإن أغلب الوارثين فتحوا أحضانهم لهذا الإرث، فتنامى وتناسل حتى بلغ شِغاف القلب ونياطه -وهاقد عدنا للقلب ثانية-.

  وكما أن لكل داءٍ دواءً، ولكل جناية عقاب ومقابل كل جنحة حساب، فإن مهمة القائمين على أمر البلاد، والذين بيدهم دفة القيادة ومقود الحكم، تفعيل دور الدواء والعقاب والحساب، بما تقتضيه مصلحة البلد ومستقبله، وفق القوانين السماوية والوضعية التي تنص بكل صراحة ووضوح على الردع بقوة وحزم، وصرامة وحدّة، وحيادية وشفافية، لمثل هذه الأفعال، وقد قضت كل الأحكام المدنية والعسكرية، في قوانين العراق الجديد و "العتيگ" على حد سواء، بمحاسبة الفاسدين والمفسدين، ووضعهم تحت طائلة القانون من دونما تمييز او تفضيل بين -زيد وعبيد- والأمثلة على -زيد- كثيرة وعلى -عبيد- أكثر.

 ومن المؤلم ان العقاب والحساب بحق مرتكبي جرائم الفساد في عراقنا الجديد، تنأى كل النأي عن الـ (صماخات) والرؤوس الكبار في الدولة، إذ يبلغ المسؤول الكبير ماشاء له بلوغه من فساد إداري أو مالي، من دونما مخافة من عقاب، وإن كان هناك عقاب فهو الضرب "دون الحزام" أي بالمحافظة على القلب -وهاقد عدنا للقلب ثالثة-. بل الأدهى أن بعضهم يمارس هوايته في السرقات تحت أغطية كثيرة، منها غطاء الدين والحصانة والمنصب والمحسوبية والمنسوبية، فتكون الحامي له والمشرع لأفعاله والمحلل للسحت الذي يأكله، وكأن القانون يتلو عليه: "الذين يأكلون في بطونهم عسلا"، وليس نارا.

  وبين هذا المفسد وذاك السارق، يضيع المال العام والخاص، وتفرغ خزينة الدولة، ويتناوب على المواطن السارقون السابقون واللاحقون، فيتغدون ويتعشون به، وليس له إلا صبر مابعده ظفر، وسط تماهل أصحاب الحل وتواطؤ أهل العقد من اللجان الرقابية ومفتشي الوزارات والمؤسسات، ويبقى المواطن المسالم ماسكا قلبه، مذكرا ماسكي زمام أمور البلد بمفردة مرادفة للقلب هي (الدلال) فينشد على مضض:

سلمتك الدلال وبتوته كلهن

            ظلت بكيفك عاد تگطع تفلهن

ــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك