المقالات

تهوي به الريح في مكان سحيق..!


محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

لم اجد وصفا قرآنيا لحالة العراق اليوم اكثر انطباقا من الاية الكريمة:"وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ".

فالحياة بصورة عامة، والحياة السياسية بصورة خاصة، تنحدر، على الاقل، منذ ١٧ تموز عام ١٩٦٨، او قبل ذلك في ١٤ تموز من عام ١٩٥٨،  الى مكان سحيق، وتكاد تصل الان الى منتهى قاع ذلك المكان.

اننا نتحدث عن الحياة السياسية في صعودها وانحدارها وفقا لمعايير وقياسات محددة ومشخصة، من بينها التداول السلمي للسلطة، وسيادة القانون، وحرية الرأي والتعبير، واستقلال القضاء، والمؤسسات التمثيلية الخ.

في ذلك التاريخ استولى حزب متخلف على السلطة بطريقة غير ديمقراطية. وواصل حكم البلاد بطريقة دكتاتورية لمدة ٣٥ سنة.

ووصلت دكتاتورية البعث اقسى  واقصى درجاتها بفرض عبادة الشخصية على المجتمع العراقي حين اطلق الحزب على زعيمه لقب "القائد الضرورة".

ربما لم ينتبه الكثير من الناس الى هذا التحول الخطير في طبيعة السلطة بسبب عدم تعودهم على السلطة الديمقراطية، ومن انتبه منهم لم يكن يملك من القوة ما يمكنه من مقاومة هذا الانحدار، ومن قاومه كان مصيره الاعتقال او القتل او التشريد.

ورافق عبادة الشخصية الكثير من الاعمال التي توصف حسب القانون الدولي بانها جرائم حرب، او جرائم ضد الانسانية، او جرائم ابادة الجنس.

وكان من ذلك الحرب ضد ايران والحرب ضد الكويت والحرب ضد الاكراد (الانفال كمثال)، والمقابر الجماعية، وتجفيف الاهوار، واعدام الالاف من المواطنين من الجنسين بتهمة الانتماء الى حزب الدعوة او الحزب الشيوعي او غيرهما من الاحزاب المعارضة،  بما في ذلك  المعارضون لصدام من البعثيين.

ولولا حرب عام ٢٠٠٣ لم نكن لنعرف كيف سيقسط ذلك النظام. وكانت التوقعات المتشائمة تتصور ان النظام سوف يستمر باحد ابني صدام بعد وفاته.

ولكن سقوطه حمل املا، اتضح انه كان زائفا، بامكانية الارتقاء بالحياة السياسية الى المعنى الديمقراطي السليم. وتم توثيق هذا الامل في بعض نصوص دستور عام ٢٠٠٥ رغم مساوئه وثغراته الكثيرة،  مثل لائحة الحقوق الواردة في الباب الثاني، وتبني الديمقراطية وحق الشعب بالمشاركة السياسية .. الخ.

الاّ ان النصوص الايجابية لم تر النور على الصعيد التطبيقي بسبب عيوب التأسيس والممارسة التي بدأت منذ تشكيل مجلس الحكم في تموز من عام ٢٠٠٣. واستطيع تحميل مسؤولية ذلك الى اربعة اطراف بدون غبن وتحيز هي: الولايات المتحدة الاميركية، الاحزاب الحاكمة،  الجماعات الارهابية المسلحة، قطاعات معينة من الناخبين.

وبعد ١٠٠ سنة من تأسيس الدولة العراقية المعاصرة، تفيد كل المؤشرات العالمية في الديمقراطية والنزاهة والتماسك والابداع والسعادة وغير ذلك الى ان العراق اضحى دولة فاشلة failed state ويتمثل فشلها في اسوأ حالاته بعدم قدرتها على توفير الحياة السعيدة للعنصر الاول من عناصر الدولة وهو الشعب، وعدم قدرتها على الحفاظ على العنصر الثاني وهو الارض. واخيرا عدم قدرتها على توفير حياة سياسية سليمة قائمة على المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والحرية والعدالة والامن وغير ذلك من خصائص الدولة الحضارية الحديثة.

ولا يغيب عن الذهن ان الحياة السياسية فشلت، بعد الانتخابات البرلمانية الخامسة (المبكرة) في العاشر من شهر تشرين الاول من العام الماضي، في تشكيل مجلس نواب فاعل، و تشكيل حكومة دستورية، فيما تستمر حكومة تصريف الاعمال اليومية غير المؤهلة اصلا في انتهاك الدستور والقيام باعمال وتصرفات خارج اطار سلطتها المؤقتة بحسب الدستور.  في نفس الوقت تواصل  الاحزاب انتهاك الدستور وتجاوز توقيتاته دون الاخذ بنظر الاعتبار حكم المحكمة الاتحادية البات والقاضي بان مؤسسات الدولة المنتخبة، وبخاصة مجلس النواب، انما تستمد شرعيتها من التزامها باحكام الدستور.

في هذه الاحوال يصبح وضع العراق كمن "خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ". ولا حول ولا قوة الا بالله.

ــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك