المقالات

العلاقات المجتمعية


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

لا يمكن اعادة بناء واعمار بلد على اسس سليمة منتجة للسعادة اذا كان ابناؤه يتبادلون الاحقاد والحسد والغيرة  والشك وتفرقهم المصالح الفردية. 

علاقة الانسان باخيه الانسان هي حجر الزاوية في بناء المجتمع. وفي دراسته لعناصر المجتمع اعتبر الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر "العلاقة المعنوية"، اي علاقة الانسان باخيه الانسان وعلاقة الانسان بالطبيعة، هي العنصر الثالث في بناء المجتمع بعد الانسان والارض. 

وذهب الفيلسوف الاميركي جون راولز خطوة ابعد حين اشترط "التعاون" في تعريف المجتمع الذي قال انه "نظام من التعاون المنصف بين مواطنين متساوين واحرار".

اذا اردنا ان نطلق دعوة عامة لاعادة بناء واعمار البلاد فيجب ان يشارك فيها الناس بصورة ايجابية واسعة، لانه لا يمكن تحقيق ذلك اذا عزف الناس عن هذه الدعوة. ولهذا قال الصدر ان المركب الحضاري القادر على تحقيق النهضة الحضارية يجب ان يكون قادرا على زج ابناء المجتمع في المشروع الحضاري. ولهذا وجدنا القران الكريم يكثف الحديث عن اهمية بناء علاقات ايجابية طيبة بين الناس في المجتمع الواحد. ولهذا حرم الاسلام الكثير من الممارسات المخلة بهذه العلاقات الطيبة مثل العدوان والحسد والغيبة والنميمة والبهتان والظلم وشهادة الزور والاتهامات الباطلة وتشويه السمعة وغيرها ودعا الناس الى التعاون والمودة والمحبة والسلام والقسط فيما بينهم. وتستهدف منظومة القيم الحافة بالمركب الحضاري، فيما تهدف اليه، الى ارساء قواعد العلاقات الطيبة بين الناس، بوصفها شرطا للتعارف والتعاون في طريق النهوض الحضاري.

لكن استعراضا سريعا للعلاقات بين الناس في المجتمع العراقي يكشف لنا عن وجود حالات سلبية كثيرة في العلاقات بين العراقيين. ففضلا عن هشاشة الروابط الوطنية بين العراقيين المختلفين دينيا او مذهبيا او عرقيا او مناطقيا، فاننا نجد حالات كثيرة من التباغض والتحاسد والتنافس غير المحمود بينهم. ويشترك في هذا المواطنون العاديون، كما يشترك فيه السياسيون والمشتغلون بالشأن العام. وتكشف تعليقات الناس الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي عن حجم الهوة التي تفصل العراقيين عن بعضهم البعض ببحور من المشاعر السلبية المتنافرة فيما بينهم. ولا احتاج الى تسمية الاشياء باسمائها لانها معروفة لدى القراء الكرام.

ويمثل هذا خللا حادا في المركب الحضاري للمجتمع العراقي لا يمكن معه الحديث عن اي مشروع لاعادة البناء والنهوض الحضاري، لان هذه الحالة تمثل معيقا كبيرا في هذا الطريق.

وقد يكون من المفيد دراسة العوامل التاريخية والثقافية والاقتصادية التي ادت الى شيوع هذه الثقافة السلبية من اجل ان تكون هذه الدراسة دليلا في معالجتها ومعالجة اثارها السلبية.

ولهذا، فنحن بامس الحاجة الى بناء جسور الثقة والمحبة والوئام والتعايش والتعاون بين العراقيين لكي يكون بالامكان جمعهم وتوحيد طاقاتهم في مجرى النهوض الحضاري واعادة البناء والاعمار. 

ويمكن تحقيق ذلك عبر مشروع مجتمعي تربوي وتثقيفي واسع النطاق يتم انجازه في المدارس والجامعات واماكن التجمعات العامة كدور العبادة وغيرها. وتأخذ هذا الاماكن على عاتقها اشاعة ثقافة المحبة والتعاون بين الناس بكل فروعها وتفرعاتها وتفاصيلها. ويلعب المدرسون وعلماء الدين والكتاب والممثلون دورا بارزا في ارساء اسس هذه الثقافة وترسيخها في عقول وقلوب الناس.  

ويمكن للمواطنين العاديين ان يلعبوا دورا ايجابيا كبيرا في هذا المشروع من خلال استخدامهم المكثف لمواقع ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، للتصدي للنقاط السلبية في العلاقات الاجتماعية  واستنبات النقاط الايجابية فيها. وهذا يعني ان عليهم تجنب كل ما يثير البغضاء والتحاسد والنفرة بين الناس، واشاعة المحبة والالفة بينهم. 

قد تبدو هذه المسألة هامشية في نظر البعض، لكن التأمل العميق في اثارها السلبية سيكشف عن مدى خطورتها واعاقتها لاي مشروع لاعادة البناء.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك