المقالات

قراءة في كتاب "الفقه والدستور" للدكتور علي المؤمن

1879 2021-12-14

 

الدكتور اكرم ياغي ||

 

(أكاديمي وباحث لبناني، استاذ القانون في الجامعة اللبنانية)

    الكتاب الذي بين أيدينا، والذي عالج فيه الدكتور علي المؤمن إشكاليات "التقنين الدستوري الوضعي للفقه السياسي الإسلامي"، كما هو نص العنوان الثاني للكتاب؛ إنما هو واحد من أسفاره المتصلة موضوعياً، وقد سبقه عشرات الكتب والدراسات؛ فالدكتور علي المؤمن من المفكرين المحترمين الذين لهم صولات وجولات فكرية وثقافية في أكثر من بلد، ومنه لبنان.

    الإشكاليات المذكورة؛ سأتناولها أيضاً من الجانب الحقوقي والشرعي، وأستهل الحديث عن موضوع الدستور بعبارة قالها "أرسطو" لتلامذته ردّاً على طلبهم أن يضع دستوراً نموذجياً؛ فأجابهم بما مضمونه: صِفوا لي أولاً الشعب الذين تطلبون له دستوراً، مع تحديد الزمان والمكان والظروف الاجتماعية والاقتصادية لهذا الشعب؛ فأضع لكم هذا الدستور. والحقيقة إن الحديث عن تقنين الفقه السياسي الإسلامي، وخاصة الفقه السياسي الشيعي، يتطلب الرجوع الى التاريخ؛ إذ لم يكن للشيعة علاقة بالدولة القائمة منذ خلافة الراشدين، والتي مرّت بفترة بسيطة في عهد الإمام على بن أبي طالب، ثم انقطعت بعدها بشكل كامل مع الدولة الأُموية فالعباسية، وتحوّل الشيعة إلى معارضة، والمعارضة لا تُقبل في النظام الاسلامي على مستوى الفقه السني؛ لأنّ المعارضين يسمّون روافض؛ فكل معارض هو رافضي.

    لكن الأمر الذي تم بحثه من الدكتور على المؤمن لناحية تقنين الدستور، هو الدستور الاسلامي وفقه الدولة، وأنا أنطلق من هذه الزاوية لأقول أنّ الدول المعترف بها من قبل منظمة الأُمم المتحدة، هي على ثلاثة أنواع من ناحية التصنيف الدستوري: دولة دستورية، دولة لها دستور, ودولة لا دستور لها. وعندما نتحدث عن الدولة الدستورية؛ فإن الشروط التي يجب أن تتوافر عليها، هي:

    أولاً: أن تكون دولة قانون، أي لا وجود للمحسوبيات، ولا امتيازات لأحد في ظل هذه الدولة.

    ثانياً: أن تكون دولة الكفاية والعدل، حيث يجد الخائف مأمناً والجائع طعاماً، والمشرّد سكناً والانسان كرامة، والمفكر حرية، والآخر حقاً بكامل المواطنة، وموضوع المواطنة هو جزء من موضوع الكفاية والعدل.

    ثالثاً: أن تكون دولة مبدأ فصل السلطات، أي أن هناك أكثر من سلطة، وذلك منعاً للاستبداد؛ لأن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة.

    إذن؛ الدولة الدستورية هي دولة القانون، ودولة الكفاية والعدل، ودولة التطبيق السليم للدستور بشكل مستمر، وأن ينص دستورها على حقوق الأفراد وعلى ضمانات هذه الحقوق، وأن يكون هناك هيئة تكفل احترام الدستور، سواء سمّيناها مجلس دستوري، أو سمّيناها كما هو الحال في ايران مجلس صيانة الدستور.

    أما الدولة التي لها دستور، فهي تملك دستوراً، لكنه لا يحترم في التطبيق. في حين أن الدولة التي لا دستور لها فهي دولة رفع المصاحف، على قاعدة أنّ الفقه السياسي عند السنة قام على أساس فكرة أنّ الحكم لله. والخطورة في هذا الأمر عندما نقول أن دولة، كالمملكة العربية السعودية، بأنّ دستورها القرآن، وهو نوع من العمل تحت يافطة أن الحكم لله، وهو تبرير عدم تحكيم الشعب، على العكس من الإمام الخميني الذي أكد أنّ الحكم للشعب، لكن؛ وفق العمل بالنص الاسلامي، مقابل الفقه السني الذي يذهب الى أنّ الحكم لله. وهنا يطرح السؤال: كيف يترجم مفهوم الحكم لله؟ كيف يتحوّل حكم الله إلى سلطة تمارس النص الفقهي، وهذا هو الفرق بين الفقه السياسي الشيعي والفقه السياسي السني. في حين أن الإمام الخميني أقام لأول مرة في تاريخ التشيع دولة أوجد لها دستور من خلال كل المراحل التي تحدّث عنها الدكتور المؤمن؛ إذ قال بأن الحكم للشعب بالنص الاسلامي، وأنّ الديمقراطية هي آلية، والديمقراطية تعني الانتخابات، والتي هي الميزة الأُولي للدولة الحديثة؛ فكل المفكرين الذين كتبوا في الدستور اعتبروها الميزة الأساسية، وأن أهم آلية على الإطلاق تُميز الأنظمة الحديثة عن غيرها من الأنظمة المتخلفة هي الانتخابات. لذلك؛ تحدّث الإمام الخميني عن الانتخابات كآلية للحكم، ولم يتحدّث عن الانتخابات كفلسفة للحكم، ويعني ذلك عدم خضوع الحكم الشرعي للاستفتاء أو للانتخاب.

وعندما نتحدّث عن الانتخابات في الدولة؛ فإنما نتحدّث عن السلطة، والتي يجب أن تكون بالمناوبة، وأن تكون هناك سلطات منفصلة عن بعضها البعض، لكنها متعاونة، وهي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. وهذا ما هو عليه الأمر في ايران، أي أن ايران دولة حديثة، وهي دولة اسلامية وليست دولة دينية؛ لأنّ الفرق كبير ما بين الدولة الدينية والدولة الاسلامية المحكومة بالنص الإسلامي، وبأشخاص يتبدّلون ويتغيرون على قاعدة الانتخاب الذي هو كما قلنا أهم قاعدة في المؤسسات الدستورية. لذلك؛ لا يمكن أن نستتر وأن نخاف من أن نقول بأنّ ايران دولة دستورية، وليست دولة لها دستور، أو دولة لا دستور لها. وتعرفون أن هناك دولتين في العالم ليس لديهما دستور، ولكن تعترف بهما الأمم المتحدة، هما اسرائيل والمملكة العربية السعودية؛ لأنّ الدستور هو الذي يضع الحدود الطبيعية الجغرافية، ويضع القواعد الأساسية للسلطة والحقوق. وعندما نتحدّث عن الدولة والسلطة؛ فهي إما أن تكون دولة حديثة أو تكون دولة القبيلة أو دولة العائلة.

    ومن خلال دراسة التصنيفات الثلاثة المذكورة في الإطار الدستوري، أي الدولة الدستورية والدولة التي لها دستور، لكنه لا يحترم، ودولة لا دستور لها، نستنتج أنّ ايران هي دولة دستورية، كونها محكومة بالقواعد التي تحدّثنا عنها، وبالشروط التي يجب أن تتوافر، حتى تكون هذه الدولة دستورية، بدءً بالانتخابات إلى دولة القانون إلى التطبيق السليم للدستور. أما موضوع التنافس فهو أمر طبيعي، سواء كان تنافساً على السلطة أو في اطار تطوير الدولة. ومن اللازم أن يدفع التنافس بالأمور نحو التقدم، وليس نحو التراجع.

    وبالتالي؛ نحن أمام هذه الدولة التي استطاع الدكتور علي المؤمن أن يبرز الأحكام العامة والخاصة بقانونها الدستوري الإسلامي. أما الدول التي لها دستور، لكنها لاتعمل به، كما هو الحال بلبنان والعراق؛ فإنهما ليستا دولتان دستوريتان، باستثناء الانتخابات؛ لأنه كل الشروط المطلوبة لأن تكون الدولة دسورية غير متوافرة فيهما، كالتطبيق السليم للدستور، ودولة القانون، وفصل السلطات، وعدم التأثير في القضاء، وحقوق الأفراد، وغيرها، فكل هذه غير موجودة.

    إن الحديث عن الدولة الاسلامية في إطار الفقه الاسلامي يجرّنا للحديث عن الدولة منذ وفاة الرسول، وصولاً إلى تفكك دولة الخلافة العثمانية، وتحول هذه الدول إلى دول وطنية؛ فلابد أن نتحدّث بكل جرأة عما حصل في هذه الدول؛ فهل كانت هذه الدول فعلاً تعتمد القرآن دستوراً؟، أو أنّها كما فعل عبد الملك بن مروان عندما اُبلغ بأنّه أصبح خليفة؛ فرفع القرآن بين يديه وأغلقه، وقال بأنّ هذا آخر العهد معك، يعني هذا الدستور أنا أغلقه وأنا أحكم بما أراه ولا أحكم بما حكم الله. وإذا درسنا فقه الدولة في تاريخنا، فهذا أمر يحتاج إلى جرأة، حتى نستطيع أن نخلص إلى حقيقة ما نعيشه اليوم.

    نحن اليوم بأمسّ الحاجة لأن تكون دولنا دول المواطنة، وأن تكون هذه المواطنة هي السائدة، وأن يكون تطبيق الأحكام على قاعدة ((ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم))، أي إلزام الدول بأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان، ومنها حقوق الأقليات، واحترام لغاتها وثقافاتها وأديانها ومذاهبها. هذه مسؤولية الدولة، وإن لم تطبق النص الإسلامي.

     وينبغي عدم حصر موضوع الدستور بموضوع السلطة؛ لأن الحاكم يأتي ويذهب، أما الدولة فهي الباقية، ولكي تبقى الدولة؛ فإنها تحتاج إلى ركن وثيق، هو الدستور. والدستور بالمعنى الانساني هو الأنسنة الحقيقية لحياة الانسان في إطار وجوده. ورغم ذلك؛ فإن الدستور ليس مقدساً؛ فعندما نقنّن الدستور ونضع القوانين والتقعيد للدستور في إطار قانون دستوري، فهذا يعني أننا كما أنشأنا الدستور؛ فإن بالامكان تعديله، في إطار ما يطرأ على الحياة السياسية وتحولات الاجتماع السياسي، والتحولات التي تحصل في محيط هذه الدولة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك