المقالات

المدينة الآثمة..!

1803 2021-06-17

 

قاسم العجرش ||

 

لم تكن تكريت التي تبعد عن بغداد 157 كيلومترا، وعن سامراء 34 كيلومترا، مدينة مهمة في محيطها، بل كانت سامراء على الدوام ولعدة قرون، عاصمة للدولة العباسية، وحاضرة أهمَّ منها بكثير، وحينما تشكلت الدولة العراقية الحديثة، كانت تكريت وسامراء وبيجي وصولا إلى الشرقاط، جزءا من لواء بغداد، وقبلها جزءا من ولاية بغداد في عهد الاحتلال التركي (العثماني) للعراق، والذي استمر من عام 1534م إلى 1920م.

تكريت التي كانت قرية أقرب منها إلى قصبة، ولم يصح أن توصف كمدينة، إلا في أواسط القرن الماضي، لم تلعب أدوارا مؤثرة في الحياة العراقية، ولم تكن مستقرا حضاريا كبابل أو أور أو آشور أو ميسان، فقد كان سكانها مختلطي الأصول، من العرب البدو والأتراك والكرد وبقايا المسيحيين السريان، وكانوا يعملون في زراعة الخضار على شواطيء دجلة، لكن ما إن تبتعد عن حوض النهر مسافة أقل من مائة متر إلا وتبدأ الصحراء، بكل قسوتها وجلافة ووحشية البشر القلائل، المتفرقين الذين يعيشون فيها..

تكريت لم تكن مدينة تضج بالحياة يوما، وسكان تكريت وما حولها لا يمكن عدُّهُمْ حَضَرًا متمدنين، كما لا يمكن وصفهم بأنهم فلاحون، مثلما لا يمكن اعتبارهم بدوا..إنهم أفضل مصداق لرؤية علي الوردي الثاقبة، في ازدواجية الشخصية، وهذا مجرد وصف واقعي وليس اختلالا، هم خليط هجين من هذا ومن ذاك، مثل أصولهم الهجينة؛ والحقيقة أن هذا الوصف ليس عارا أو مَثلبة، لكن التوصيف ينفع في التوصل الى حقائق دورهم السلبي في الحياة العراقية، خصوصا في القرن العشرين.

الدولة العراقية الحديثة تكونت وهي تحمل عقيدة طائفية، فالملك العربي المستورد من الحجاز، اعتمد في بناء دولته على السنة، وعندما تشكل الجيش العراقي عام 1921، لم يضم ضابطا شيعيا واحدا، بل كان جميع ضباطه من السنة ومن بقايا الجيش العثماني، وحينما وجدوا أن هذه مشكلة، سموا أول فوج لهذا الجيش باسم “فوج موسى الكاظم” في محاولة لإعماء حقيقة طائفية الدولة العراقية..

بدأ تسلق تكريت إلى مفاصل الدولة مع هذا التوجه، وما إن حل العام 1963 عندما أزاح أحمد حسن البكر التكريتي؛ زعيم ثورة 14 تموز عبد الكريم قاسم..ومنذ ذلك التأريخ ركب التكارتة قارب السلطة، الذي أبحروا فيه بنهر من الدماء..دعونا نستعِدْ صورة نهر دجلة، حينما اصطبغ بلون الدم في قصر صدام التكريتي في تكريت..

40 عاما كانت دولة العراق تحكم بعقلية القرية التائهة الانتماء، التي لا تعرف وسيلة لتثبيت وجودها إلا الدماء، وحتى الذين حاولوا تغيير نظام الحكم، سلكوا نفس المسلك..الدماء، وكانوا من جسم هذه القرية، وأغلب الانقلابات كان يقودها ضباط تكارتة!

حينما حصل التغيير الكبير في نيسان 2003، فوجيء التكارتة بزوال سلطان لم يغادروه لقرابة قرن من الزمان، وكان صعبا عليهم الرضوخ للأمر الواقع، وتصديق أن أنموذجهم الذي يفتخرون به، كان قد أخرج للتو من حفرة، وأن رجالاتهم يقفون أمام المحكمة الجنائية العليا، ويُحاكمون عمَّا اقترفوه من جرائم، نشير الى أن تكريت استقبلت الفاتح الأمريكي بحفاوة، وسلمته مفاتيحها بحفل رسمي، ولم يطلق التكارتة إطلاقة واحدة على المحتل..

كانت لذة السلطة لا تفارق أفواههم، ولذلك مدوا جسور التعاون مع المحتل، علهم يستعيدون بعض عزهم المفقود، وحينما أنشأ المحتل الأمريكي التنظيمات الإرهابية لتركيع الشيعة الرافضين للاحتلال الأمريكي، فالقاعدة وجيش محمد وجيش النقشبندية وجيش عمر وغيرها، كانت مادة هذه التنظيمات وقوتها القتالية الرئيسية، متكونة من الضباط التكارتة الذين كانوا يقودون أجهزة الطاغية صدام القمعية، وهم يمتلكون خبرة هائلة بالقتل وإنتاج الدماء.

جريمة جنود قاعدة سبايكر، التي ارتكبها التكارتة، يجب أن نفهمها في هذا السياق، وليس في أي سياق آخر.

كلام قبل السلام: تكريت مدينة آثمة..!

سلام….

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
حجي أسامه غالب
2021-06-18
لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك