المقالات

العلاقة المتوازنة بالغرب

1774 2021-04-28

 

د. علي المؤمن ||

 

معادلة العلاقة بين الغرب والمسلمين، مرت بمراحل مختلفة، منذ بدء عملية الاحتكاك الثقافي بين الطرفين في أواسط (العصر الوسيط). وقد مثلت المرحلة الأُولى من الاحتكاك حالة من التفاعل الثقافي، ولم تتضمن أهدافاً سلطوية على المستويين الفكري والسياسي، رغم أن العالم الإسلامي كان في ذروة تألقه الثقافي والسياسي والعسكري، في مقابل التخلّف القياسي الذي كان يسود الغرب. فقد اقتبس الغرب من الحضارة الإسلامية ـ خلال هذه المرحلة ـ معظم عناصر نهوضه.

  واللافت للنظر، أن ما اقتبسه الغرب من مدنية المسلمين وحضارتهم، كان يدخل في إطار المشتركات العامة، الأمر الذي حال دون حصول أي نوع من أنواع التبعية للعالم الإسلامي، على العكس مما حدث في المرحلة اللاحقة، حين تغيّرت موازين المعادلة.

ففي المراحل اللاحقة التي بدأ فيه الواقع الإسلامي بالتراجع والتفتت، تغيّرت طبيعة العلاقة الغربية ـ الإسلامية وآلياتها، إذ أدخل فيها الطرف الغربي مضامين جديدة، تزامناً مع بدايات تشكيل العقل الغربي الحديث، خلال مرحلة "عصر النهضة" الأوروبية. حينها اتجه الغرب الناهض الى تشكيل منهجه الجديد في معرفة الإسلام والمسلمين، وبلورته بالتدريج، من خلال الخلفية الإستشراقية الفكرية، باتجاهاتها المختلفة: الدينية والاستعمارية، وكذلك البحوث الأكاديمية، وخاصة في مجالات علم الاجتماع والانثربولوجيا والاثنولوجيا، إضافة إلى قاعدة التفوّق الاقتصادي والسياسي والعسكري.

   وكانت النتيجة أن أصبح وعي الغرب بالإسلام والمسلمين، يمثّل جزءاً من وعي الغرب بذاته. فالغرب في إطار هذا الوعي ـ كما يقول مفكّروه ـ هو «الذات» و«العقل» و«القوة» و«الحقيقة» و«المركز». أما العالم الإسلامي فهو بالنسبة له يمثّل «الآخر» و«الجنون» و«الضعف» و«التمثيل» و«الأطراف».

هذا المنهج الاستكباري الفوقي، حوّل الغرب الى منظومة ايديولوجية (فكرية ـ سياسية)، وليس مجرد بقعة جغرافية، و سمح له بانتهاج مختلف أساليب الغزو والسيطرة والنهب تجاه العالم الإسلامي. ويتضح هذا المنهج  من خلال الخطاب الغربي الحديث ومنهجه المعرفي. ولعل بريطانيا وفرنسا خلال القرنين التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، والولايات المتحدة الأمريكية منذ النصف الأول من القرن العشرين وحتى الآن، تمثل التجسيد الحقيقي للرؤية الغربية الإستكبارية المتفوقة تجاه الآخر.

   ولاشك أن المسلمين، وعموم دول العالم الثالث والجنوب، لايستطيعون تغيير هذه الرؤية، وليست لديهم القدرة الواقعية على تفكيك العقل الغربي، وإعادة صياغته، كما نجح الغرب قبل ذلك مع العقل المسلم غالباً، إلّا أن المسلمين بإمكانهم تشكيل رؤية واقعية متوازنة تجاه الغرب، تستند الى معايير العلاقة المتوازنة، والندية النسبية، والمصالح المشتركة، والممانعة الإيجابية، فلا رفض للمنتج الفكري والعلمي والسياسي والإقتصادي والثقافي للغرب بالمطلق، ولاقبول له بالمطلق، بل يكون الرفض والقبول معيارياً، وخاضعاً لمتطلبات الواقع، و لضوابط التكوين العقدي والفكري والثقافي الإسلامي.

    هذه المعيارية تحول دون الإنغلاق على الذات وحرمان الواقع الإسلامي من الإقتباس من النتاجات الغربية المحايدة المقبولة معيارياً، و في الوقت نفسه تحول دون الإنسحاق والهزيمة أمام الغرب ونتاجاته وصادراته، أو الحيادية تجاه معاركه مع المسلمين، لاسيما معارك الخنق السياسي والغزو الإعلامي والحصار الإقتصادي والاختراق الاستخباري والتنكيل النفسي والضربات العسكرية.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك