المقالات

عراق ما بين قوسي نيسان

1855 2021-04-08

  د.نعمه العبادي||

غريبة هي المصادفات التي جمعها شهر نيسان والمتعلقة بمصير العراق، قديمه وحديثه، وبشكل متناقض، ففيه ما يسمى بمولد حزب البعث العربي الاشتراكي، ومولد صدام حسين، وشهادة الكبير المفكر محمد باقر الصدر، وتحرير/ احتلال العراق، وبدأ نظام سياسي جديد يشارف عمره على الثمانية عشر سنة. احجية السلطة والثروة، والافساد والاصلاح، اختزلت معظم تاريخ العراق المعاصر ما بين قوسي نيسان، فمن حزب اراد صياغة البلد عبر هوية قومية اخترعتها هواجس اقليات دينية على طراز النموذج الفرنسي في الشام أولاً من أجل انهاء فكرة الاغلبية على اساس الدين الى رفع القومية التي تساوي عندهم اللغة والعربية تحديدا، بوصفها الاساس الذي تبنى عليه الأمة التي هي قوام الدولة الجديدة وقيمها، فأنتهى الأمر به الى مقرات بوليسية، واعضاء متلصصين يستبدلون حديث الأيدلوجيا بتقارير الوشاية، وهم بمثابة مخبرين علنيين ينتشرن في كل الازقة والاحياء بعد ان تمددت رقة التمثيل الحزبي في القرى الى مستوى فرقة خصوصا في الجنوب عقب انتفاضة شعبان، وفكر شوفيني شمولي لا يسمح بأي وجهة نظر مختلفة ولو ضمن سياق افكار الحزب نفسه الى رجل افرغ كل عقده النفسية والشخصية التي وسمت طفولته وشبابه في ظل تربية حملت معظم محطاتها عشرات الاستفهام، وعبر ممارسة استثنائية من البطش والجور، وتلذذ مفرط بالحروب والدم، وتفرد ساحق لا يقبل حتى شراكة ظله، وقد انتهى الامر الى خراب كل شيء وحفرة قذرة واحتلال بغيض. مقصلة  محمد باقر الصدر التي اجهزت على رجل نبيل، استوعب مبادئ الدين بعمق، وفهم اثر التوحيد في حركة الانسان، وعزم على تكريسها في مشروع وطني قائم على العدالة والانصاف، وقد تم ذلك عبر عبقريته المتفردة لتنتهي الامور الى تحويل اسمه واثره وحتى رفاته الى سلم للقرصنة السياسية واستثمارات السلطة، واعادة التباكي عليه بمناديل مسروقة من جيوب الفقراء، بل بقطع منهوبة من أردية البؤساء، وستر الايتام والفقراء مع عزف لاسطوانة مشروخة تتحدث عن علاقة مزعومة مع هذا الرجل الابيض الكف وهو براء من كل هذا، ثم يأتي ختام المشهد عبر عملية تغيير كانت حلماً منتظراً، حمله الكبار والصغار، وأعيى الكثير من انتظاره،  ليكون مفتتحه انقساماً حاداً حول شرعيته وحقيقيته، فبين من يراه خلاصاً  وتحريراً، وآخر يراه احتلالاً ومهانة، لينتهي الأمر بطغيان شعور غريب صار يخالج المعظم في موقفهم من هذا الحلم المنتظر وخيبتهم به، بحيث وصلت الامور إلى المفاضلة ما بينه وبين الماضي بكل سوداويته، واصبحت كفة المقارنة تنحاز تدريجياً في اذهان الكثيرين لصالح الماضي في ظل متوالية خراب يسلم كل جيل سياسي، وحفنة من طارئين لمن يأتي بعدهم (عُدَدَ التقويض) بكل أمانة. محصلة تقول بمجملها: " ليت نيسان لم يكن شهرا في سنة العراقيين" ، وفي ذات الوقت تتطلب بإلحاح: اعادة التبصر بعمق في كل هذه المتناقضات التي انحصرت بين قوسي هذا الشهر الذي طالما كان محملاً بالزوابع والاتربة والعواصف، وعرفه العراقيون بمزاجه المتقلب، وثريته المهوسة بمطارية الاشياء ونثرها وتخريبها عبر موجات عواصف مجنونة، والسؤال الذي يناسب هذا التبصر: يا نيسان: لماذا وكيف ومتى؟
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك