المقالات

عشية الذكرى (١٨)..التاسع من نيسان..العراق بين زمنين


 

عبدالزهرة محمد الهنداوي ||

 

مازالت ذاكرتنا طرية  تحتفظ بتلك التفاصيل المخيفة، المزعجة ، المفرحة ، في ان واحد !!، التي حملها يوم التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ ، الذي مثل انفصالا تاما بين  زمنين عراقيين ،  في تلك اللحظات التي شاهدنا فيها ولأول مرة قوات المارينز ودبابات البرامز وطائرات الاباتشي تملأ الأرض والسماء ، وقد اختفت تماما كل اوهام القوة والبطولة ، التي كنا نتجرعها مرغمين ، في تلك اللحظات ، كانت الساعات تمر سريعة وهي محملة بسيل من  التساؤلات ، الساخنة ، مارت  بها  عقول العراقيين ، تساؤلات تدور بين الحيرة وعدم التصديق بما يحدث ، بين الألم الناتج عن حجم الدمار ، واختفاء أي مظهر من مظاهر الدولة ، وبين الأمل بغد أفضل يقف خلف هذا اليوم منتظرا الحلول بعد زوال الدكتاتور  ، وتساؤلات أخرى  عن ماهية هذا الغد المنتظر  ، هل نحن ازاء وهم ، أم انها الحقيقة التي آن لها ان تنكشف تحت الشمس ؟ ، هل جاءت  هذه القوات الأجنبية ، لتحريرنا فعلا  من براثن اعتى دكتاتورية يشهدها التاريخ ، (لسواد عوننا) أم لسواد نفطنا ؟..  هل سيشهد العراق تغييرا جذريا ويتحول إلى دولة ديمقراطية ، وينعم أهله بحياة كتلك التي صورتها لنا أفلام هوليود ؟! ، وإذا كان الأمر كذلك ، وان هؤلاء الأصدقاء انكسرت قلوبهم من اجلنا ، فجاءوا ، صادقين لتحريرنا مما نحن فيه، لماذا تأخروا كل هذا الزمن ؟  ، الم يعلموا ان صدّاما ، استحوذ على العراق منذ اكثر من ثلاثة عقود من الزمن ؟ ، لماذا لم يسقطوه عام ١٩٩١ ، عندما كان يترنح منهارا  ، على وقع  انتفاضة  آذار في ذلك العام ،  اثر غزو الكويت وتعرض الجيش العراقي إلى اكبر هزيمة منكرة في تاريخه ، منذ تأسيسه عام ١٩٢١ ؟  ، ألم تكن الطائرات الأمريكية ، تحاصر كل شيء في العراق ؟ ، أما كان بمقدورهم ان يساعدوا المنتفضين  وتمكينهم من إنهاء نظام الحكم ، والتأسيس لنظام حكم جديد ؟ ، لماذا ، منحت واشنطن وحلفاءها في المنطقة ، صداما فرصة للقضاء على الانتفاضة بأبشع صورة يشهدها التاريخ ، فكان ما كان من مجازر ومقابر جماعية  وجرائم بحق الإنسانية ، ليس لها نظير ؟! وكان هذا بعد ان سمحوا للنظام باستخدام الطائرات المقاتلة والمروحية والأسلحة الثقيلة ، في عمليات الإبادة تلك ، التي لم تكن الأولى ، فقد سبقتها عمليات الأنفال ، وغيرها ، التي لم تحرك الضمير الإنساني لأمريكا وحلفائها ، لكي يأتوا لإنهاء نظام دموي ؟ هل كان لاختيار عام  ٢٠٠٣ موعدا لوضع نهاية لنظام صدام ، علاقة بتحالفات دولية ومصالح محورية ، و تقاسم جديد للنفوذ على  مستوى المنطقة والعالم ؟ وهل كان هذا النظام ، سيستمر إلى اجل غير معلوم ، لو لم تتدخل الإرادة الدولية - الأمريكية ، لإنهائه ؟ ،

 وإذ تواصل الأيام والسنون  زحفها ، بثقل وتباطؤ تارة ، وبسرعة جنونية ، تارة أخرى ، ومن خلال متابعة ذلك الزحف ، فقد تبين فيما بعد ، ان بعضا من تساؤلاتنا تلك ذهبت مع أيامها ، فيما بقي بعض منها يقف على قارعة الطريق عله يجد الإجابة ، وبعضا الآخر ، حصل على مبتغاه ..

اليوم ، وبعد مرور  ١٨ عاما على التغيير الدراماتيكي الذي شهده العراق عام ٢٠٠٣  ، أظهرت لنا الأحداث ، ان مجيء (قوات التحالف الدولي) إلى العراق ، قاطعة آلاف الكيلو مترات ، لم يكن لسواد العيون ، إنما لاهداف ومآرب وغايات أخرى ، بلحاظ ، ماشهده العراق من تداعيات كانت في منتهى الخطورة ، لعل واحدة من تلك التداعيات الاختلاف الحاد بشأن توصيف ما حدث يوم ٩ نيسان ، البعض وصفه بالتحرير ، وآخر ذهب نحو مفهوم الاحتلال ، اخرون ، قالوا ، سقوط النظام ، وفريق ، اعتمد مفهوم سقوط الدولة ، وفي هذا الخضم ، نجحت واشنطن من غرس بذرة الفرقة بين العراقيين ، عندما تمكنت من تكريس مفهوم المكون ، بعيدا عن مبدأ المواطنة ، فجاء دستور ٢٠٠٥ حاملا لتلك البذرة ، التي نمت وترعرعت في كنف ظروف مؤاتية جدا ، فكان ذلك الخطأ البنيوي القاتل ، الذي نخر جسد العملية السياسية وليدة مابعد عام ٢٠٠٣ ، التي تشرذم أربابها إلى ملل ونحل ، فبتنا نقرأ البيت الشيعي والبيت السني والبيت الكردي ، والبيت المسيحي والبيت التركماني ، وغيرها من البيوت ، وتشظى كل بيت من تلك البيوت إلى ، اكتاف وأفخاذ ، وكل بيت منشغل بما لديه ، وكان من نتاج هذا التشظي ، تراكم الأخطاء ، وتراجع الاداء ، وسط تنامي الصراعات البينية ، داخل كل بيت من البيوت ، حتى اذا ماتراكمت التداعيات ، أصبحت المعالجة صعبة جدا ، على المستويين السياسي والإداري ،ليصل بنا الحال الى نهايات مسدودة ، لدرجة بات من الصعوبة تسمية رئيس لمجلس الوزراء ، ومن الصعوبة إقرار موازنة عامة للدولة ، ومن الصعوبة ، تحسين مستوى الخدمات ، وقائمة طويلة من الصعوبات التي تكتنف المشهد ، وبالتالي ، اصبح من الضروري جدا ، اعادة تقييم السنوات الثمانية عشر الماضية ، وما رافقها من اخطاء وتداعيات ، عسى ان يساعدنا هذا التقييم على رسم مسارات صحيحة وسليمة للواقع العراقي ، تحمل معها واقعا جديدا ، مختلفا ..

ـــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك