المقالات

العامل الثقافي..!


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

مازالت الدعوات الاصلاحية والتغييرية التي نسمع اصواتها بشكل مستمر في بلدنا تتجاهل الفاعل الرئيس في الاصلاح والتغيير، وهو الانسان. ان الدعوة الى محاربة الفساد، او الدعوة الى النظام الرئاسي، او الدعوة الى اصلاح الاقتصاد، والدعوة الى اصلاح الخدمات، وحتى الدعوة الى اصلاح الانتخابات، كل هذه الدعوات تتجاهل حقيقة ان الانسان هو العنصر الفاعل في كل هذه المجالات، وما لم يتم اصلاح الانسان فليس من المتوقع ان تحقق هذه الدعوات اي نجاح يذكر في مجال الهدف الذي تنادي به.

طبعا استثني من ذلك الدعوة الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة، لانها قائمة ابتداءً وانتهاءً على  تنشئة الانسان المتحضر الحديث.

واذا كان الانسان هو محور التغيير والاصلاح، اداةً وغاية، فانه يتعين على دعوات التغيير والاصلاح ان تبدأ بتغيير الانسان نفسه.

وهذا يتطلب ان تعكف الدعوات الاصلاحية والتغييرية على دراسة طبيعة الانسان ونفسيته والعوامل المؤثرة في سلوكه ومواقفه.

 وهذا يحيلنا مرة اخرى الى الاية القرانية المفتاحية في موضوعنا وهي اية التغيير الواردة في سورة الرعد والتي تقول: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"، ومفادها كما هو ظاهر من نصها ان التغيير الاجتماعي لا يتحقق الا بالتغيير النفسي. وتغيير المحتوى النفسي يشتمل على عنصرين هما الفكر والارادة.

يتوقف النجاح في تحقيق التغيير على صياغة سلوك الانسان في مجال علاقاته الاجتماعية وعلاقاته الطبيعية. فاما علاقاته الاجتماعية فتشمل علاقاته مع الافراد، ومع المجتمع، ومع الدولة ومؤسساتها المختلفة، وغني عن الذكر ان العلاقات الاجتماعية السليمة يجب ان تقوم على اساس الثقة والتعاون والاحترام المتبادل والنزاهة والاشتراك في منظومة قيم اخلاقية وحضارية عليا تضبط سلوك الافراد.فيما تتشكل علاقته مع الطبيعة من استثمارها والحفاظ عليها والتمتع بخيراتها. وغني عن الذكر ايضا ان العلاقة مع الطبيعة تقوم على اساس العلم التراكمي بالتجربة وغيرها، والعمل سواء الفردي او الجماعي (التعاون).

وهذا كله يتوقف على الاتجاهات السلوكية العامة التي يؤمن بها الافراد وعلى اتفاقهم حول منظومة قيم عليا تتحكم بهذه الاتجاهات. ونسمي كل هذا بالثقافة السائدة في المجتمع. ومن هنا يأتي القول بالدور الكبير الذي تمارسه الثقافة في صياغة سلوك الفرد ونمط علاقاته الاجتماعية وعلاقاته مع الطبيعة.

وتوصلنا هذه المقدمات الضرورية الى القول بان العمل الاصلاحي والتغييري في اي مجال هو عمل ثقافي في المقام الاول سواء كان مجال الاصلاح السياسة او الاقتصاد او الادارة او الخدمات او الاجتماع او الدين او اي مجال اخر. والثقافة لا تعني فقط قراءة الكتب كما هو معروف، وانما تعني، كما قال تايلور في بداية كتابه "الثقافة البدائية" الصادر عام 1871  "ذلك الكل المعقد الذي يشمل المعرفة والإيمان والفن والأخلاق والقانون والعادات، بالإضافة الي أي قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان بصفته عضواً في مجتمع"، وهذا كله مما يؤثر في الاتجاهات والانساق السلوكية للفرد. ومعروف ان الانسان يكتسب هذا في البيت والشارع والمسجد والمدرسة والاعلام و التواصل الاجتماعي. واذا كان من الصعب التحكم بالبيت والشارع فان ذلك ممكن في المسجد والمدرسة. ومن هنا جاءت اهمية ان تنطلق العملية التغييرية من المسجد والمدرسة بعد ان تتبنى هاتان المؤسستان الاجتماعيتان المهمتان منظومة القيم الاخلاقية العليا الصانعة للاتجاهات السلوكية التي يتطلبها التغيير والاصلاح.

ومن هنا ايضا ارتبطت الدعوة الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق بالدعوة الى تنشئة الاجيال الجديدة على منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري المجسدة للثقافة الجديدة المعتبرة شرطا في التغيير.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك