المقالات

القيم المدبلجة !

1813 2020-11-27

 

عبدالملك سام ||

 

كانت المسلسلات المدبلجة - وما تزال - مدخلا للثقافات الغريبة إلى داخل المجتمعات العربية والتي أنشأت فيما بعد أجيال مؤدلجة قابلة للأنحلال ، وقد تنبه المنتجون منذ زمن إلى أن اللغة العربية الفصحى المستخدمة في تعريب هذه المسلسلات تمثل عائقا لتحقيق الأهداف المرجوة من هذه الأعمال التي كان من المؤمل أن يصل تأثيرها إلى كل مجالات الحياة ، ومن هنا جاءت فكرة الدبلجة باللهجات المحلية لتحقيق هدفين هما :

أولا هو أن اللهجات المحلية تكون أقرب للمجتمعات المحلية ، وبالتالي يكون التأثير أكبر في تغيير الثقافة المحلية وتقبل عادات لم تكن مقبولة من قبل ، وقد وصل تأثيرها حتى أصبحت بعض الكلمات والمصطلحات تعبر عن مشاعر الناس أكثر من الكلمات العربية نفسها ، ولا ننسى طريقة (الفرنكو) مثلا المستخدمة في المحادثات والتي تحولت الكلمة نفسها إلى (شات)...

الهدف الثاني هو التعود على أهمال اللغة العربية الفصحى ، وهذا ما ظهر أثره في مجالات أخرى لم يكن موجودا فيها من قبل مثل المقالات والشعر والأعلانات التجارية والعلوم وغيرها ، والأمر بدأ فعلا يخرج عن السيطرة تحت مبررات يتم الترويج لها كالتسهيل والأبتعاد عن التحذلق ، ومؤخرا وصلنا إلى درجة أن شاب خريج جامعة لا يستطيع أن يقرأ أيتين من القرآن الكريم دون أن يخطئ عدة مرات في نطقها ، وربما أذا أستمر الحال كما هو عليه - لا سمح الله - سيصل الحال إلى درجة أن نجد جيلا كاملا غير قادر على قراءة القرآن الكريم !

خطورة خلق ( النموذج ) تظهر بشكل ملفت في مجتمعاتنا ، فهناك كثيرون ممن يقلدون الأبطال الأتراك دون تفكير ، فتجد من يحب أن يقلد أنه شهم ولكنه في نفس الوقت لا يجد حرجا في خيانة صديقه أو الأساءة لغيره ! وهذا التناقض يعمل فيما بعد على ترسيخ العادات السيئة التي تم تقبلها من خلال تقبل أبطال المسلسلات بعيوبهم وعاداتهم ، بينما تقوم المؤسسات التعليمية بأكمال المهمة عبر الأهمال المقصود للشخصيات الحقيقية التي تعبر فعلا عن قدوة ونموذج جيد وقويم لمجتمعاتنا ولأجيالنا .

ما نشاهده اليوم أن جيل الشباب هو الأكثر تأثرا ، رغم أن هناك كبارا في السن وصغارا أيضا قد تأثروا بهذه الهجمة الثقافية الشرسة ، فأصبح الكثير منا يعرف عن الممثل الفلاني أو المطربة الفلانية أكثر مما يعرفه عن نبي أو علم من الأعلام أو ملك تاريخي أو مفكر عظيم ! وهذا الخلل يجب تداركه سريعا من خلال منظومات التعليم المتوفرة أو عبر أي وسيلة ثقافية نملكها قبل أن يفوت الأوان ونجد أنفسنا أمام جيل لا يعرف الفرق بين الحق والباطل ، وبين الخير والشر ، وبين الحقيقي والزائف !

الآثار المدمرة لهذه المسلسلات أكثر من أن تحصى في مقال واحد ، والأمر مطروح للجهات ذات العلاقة وللمجتمع أيضا ، ومن الخطير تجاهل هذا الأمر أذا كان لدينا أهتمام بحاضرنا ومستقبل أجيالنا . لابد من وقفة جادة للتفكير بتمعن في هذا الأمر أبتداء من رب الأسرة ووصولا لأكبر مسئول في بلداننا كون الجميع مستهدف .. أمنعوهم ولو بالقوة فالغرب يتصرف معنا بذات الطريقة فيما يخص "أمنه القومي" دون أن ينعته أحد بالتسلط والتحجر والديكتاتورية ، فلماذا نسكت نحن عمن يحاول تدمير كل شيء في حياتنا ؟!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك