المقالات

العمامة العلمانية وسحر البئر..!


 

عمار محمد طيب العراقي||

 

يحكى أن ملكا كان يحكم مملكته بهناء، وكانت الأمور تسير بصفاء لا يعكره شيء؛ لأنه يحظى بثقة رعاياه لعدله، إلى أن جاء يوم قدمت فيه ساحرة الى مملكته؛ ووضعت في بئر الماء الوحيدة في المملكة، سبع نقاط من سائل سحري تحمله في قنينة صغيرة كانت معها؛ وحينما شرب الرعية من ماء البئر أصيبوا بالجنون، ثمّ خرجوا عراة إلى الشوارع، مطالبين بخلع الملك لأنه مجنون! ولا ينبغي له أن يحكم رعية عاقلة! ولم يُهدِئ ثائرةَ الشعب إلا أن يشرب الملك من البئر المسحورة، فتنادى الرعية أن الرجل ثاب إلى رشده وسمح له بالإستمرار بالجلوس على كرسي الحكم!

هنا في عراق ما بعد 2003؛ بلد العجائب السبع المدهشة، البلد ذا البئر الواحدةـ حيث لا مصدر لرزق أربعين مليون إنسان إلا الرواتب التي تعطيها الحكومة، الحكومة التي لا مصدر لمواردها إلا بئر النفط المسحور، حيث مُدت الى جوف البئر عشرات من خراطيم سحب النفط، واحد منها فقط يذهب الى الشعب، والبقية تذهب الى حيث يشاء من أنزاوها في البئر!

هنا تتحول الأسطورة إلى حقيقة، وتتحول المأساة الى نكتة!.. فبعض "ملوك" الأحزاب وزعماء الكتل السياسية، رضوا أن يحتسوا عقاقير المشعوذين، من محترفي الإنتهازية السياسية، الذين يلبسون لبوسا شتى، تارة لبوس المستشارين وهم لا يمتلكون من مقومات المشورة شيئا، وأخرى محللين سياسيين، تعلموا التحليل السياسي في مختبرات تحليل البول الطبية، وثالثة أكاديميين بعضهم يحمل الدكتوراه، في الأكلات الشعبية السائدة في العراق في زمن العباسيين المتأخر، ومنهم رؤوساء لمراكز أبحاث تبحث عن المال قبل بحثها عن الحقيقة، وفيهم أيضا إعلاميين مهنيين لا يشق لهم غبار، لكنهم أضطروا تحت وطأة لقمة العيش أن يكونوا طراطير!

لقد كانت النتيجة وفي سبيل أن تبقى الحظوة في مزايا السياسة، لهذا الجيش العرمرم من المنخرطين في حواف العمل السياسي، أن أصيب "ملوك العمل السياسي" ومن معهم من "قيادات"، بجنون العظمة وهو ما كان يجب أن يتورّعون عنه، وبذلك وبدلا من أن يرتقوا بإطروحاتهم إلى إتخاذ القرارات الحكيمة، انحدروا إلى منزلقات خطيرة، بينما السحرة يضحكون عليهم، مظهرين أسنانهم النخرة الملونة ببقايا نيكوتين السكاير!...

كان أجدر وأولى أن ننقي البئر مما رماه فيها سحرة السياسة، ليشرب الجميع ماءا قراحا من بئرنا الأوحد الذي لا نملك غيره، وكان أولى بنا أن نفضح السحرة المشعوذين، بدلا من أن ننساق الى ما يأفكون.

كي نواكب طموحاتنا؛ كان علينا كملاك حقيقيين للبئر، وكأصحاب الحق الشرعي الأوحد به، أن ننبذ القادة الفاشلين المهووسين بالكراسي، لأنهم ناجحون فقط في سحق آمالنا، وكان أولى بنا أن ننظر في وجوهنا في المرآة، ونرى أي هالات سود أحاطت عيوننا، لنكتشف إنها هالات الواقع التعيس الذي أحدثوه فينا!

كان علينا أن نبحث "في" و"عن" مشروع ضخم، يستحق أن ننفق من أجله الوقت والمال والدم، بدل أن ننساق الى حيث يتصارع الآفكون، لا أن ننخدع بإفك هذا السياسي أو ذاك، الذي يتمنطق بتصريحات ضبابية مرّة، أو متماثلة مرّة أخرى، أو مستوردة مرات ومرات!؟

 فهل لنا من سبيل إلى توحيد رؤانا الوطنية، بمنأى عن إرادات "ملوك الساسة الكبار"، المرهونة بالاتصالات الهاتفية الدولية!؟ أليس الجميع يعي أن "القرار" في مكان آخر ليس هنا، بل بيننا وبينه بحور الأرض السبعة، وأن هذا الذي بيده القرار، يفوق بحجم تسلّطه تسلط كلّ المتسلطين الآفكين!؟ .

أغرب ما نتح من إفك العمل السياسي لدينا، أن الأفندي يعتنق الفكر الإسلامي، ويسعى لتطبيقه بشرف؛ فيما عمامة سوداء تتحول الى العلمانية!

سؤال موجه لأصحاب البئر الشرعيين: ما فائدة الدنيا الواسعة إذا كان حذاؤك ضيقا ؟!

شكرا

19/9/2020

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك