المقالات

بغداد في زمن الكورونا


 

محمد كاظم خضير ||

تعيش بغداد هذه الأيام ارتفاعا مقلقا في عدد الإصابات بفيروس كورونا، ذلك الفيروس الذي اجتاح العالم، وشل حركة الاقتصاد في كثير من الدول، فحيَّر العلماء وأتعب الأطباء، وزرع ثقافة الفرار والتنافر بين الأحبة قبل يوم الفرار الأكبر؛ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه...
في ظل هذه الأجواء الاستثنائية يأتي عيد الفطر المبارك؛ مقبلا بوجه حزين على أمة ألفت البسمة فيه واقعا معيشا والفرح لوحة مرسومة على جبين الأفق.. لَبِس بعض الأطفال فيه الجديد لكن حركاتهم ظلت مثقلة، مقيدة بقيود الضرورة والاحتراز، وانسجاما مع خيار الحظر وتجنبا لإكراه الحجر.
لقد دفعنا واقعنا الحالي المفزع إلى مواكبة المستجدات اليومية؛ نُتابع الأخبار مساء كل يوم بلهفة المضيع وخشية المترقب؛ نعم ضيعنا راحة البال ونشوة العافية لمّا بالغنا في التراخي والتهكم على طبيعة هذا الفيروس القاتل وتشبعنا بما لم نعط؛ فلبسنا ثوب السلامة المطلق زورا وبهتانا، وألبسنا غيرنا ثوب البلاء والندامة، تعديا وسوء تقدير؛
لم تعد فرضية طرد الفيروس بالأنظام والأشعار والتنكيت بالمعالجة المجدية ولا بالفسحة المسلية، بل بات شد المئزر وإيقاظ الأهل من سبات الغفلة وطوق الرعونة والإهمال أمرا مُلزِما وواجبا نافعا –بإذن الله- نعم ذلك أقل ما على المواطن البسيط فعله، وعلى الحكومة والسلطات المعنية بالوباء خاصة، الصحية والأمنية؛ زيادة الإجراءات والتشديد على تطبيقها فالوضع لم يعد يحتمل أبسط الثغرات ولا يمكن تبرير أي خطإٍ فيه مهما كانت المسببات، وعلى هيئات المجتمع المدني والفاعلين الاجتماعيين مهما كانت صبغتهم الشخصية فردية أو جمعوية؛ أن يساهموا بفاعلية من أجل تقليل الأخطار الناجمة وتطويق الفيروس وشلِّ حركته، فلا راحة أبدا مع انتشار الفيروس، ولا جدوى من التنظير دون المساهمة الفعلية، ولا قيمة للانتقادات الموجهة للحكومة وللجهات المباشرة لمواجهة الفيروس وكل من يقفون في الخطوط الأمامية ضده؛ ما لم نشاطرهم بذل الجهد؛ كل من جهته وحسب قدرته، فالموقف لم يعد يتيح التفرج للبعض ويُلزم البعض بالمواجهة دون غيره، فحرى بنا جميعا أن يسأل كل منا نفسه في لحظة صفاء وصدق مع ذاته؛ ما ذا قدمتُ لنفسي ولمجتمعي ووطني والعالم في سبيل مواجهة هذا الوباء؟ ما هي الأشياء العملية التي يمكن أن أساهم بها وتكون مفيدة في مجابهة هذه الجائحة؟ ما الذي منعني من تقديم ما أملك من طاقات ومؤهلات؟ هل فات الأوان على ذلك أم أن البدار بإمكانه إحداث الفارق أو إضافة التأثير الإيجابي للحد من هذا الخطر وإراحة الضمير وإيقاظ جذوة الإنسانية وحيازة الفضلية بنفع الآخرين؟.. لِمَ لا أبدأ؛
طبعا القيام بكل هذا وتصحيح مسار التعامل الفردي والجماعي مع المشكل لا يُسقط المسؤولية عن الجهات الحكومية المباشرة لمقارعة الوباء ولا يقلل من حجم المطلوب والملزم عليها فعله؛ إنما هو فقط جهد إيجابي لا ينبغي أن ينفك عن أيٍ منا؛
ولا يفوت في هذا المقام أن نُنَبِّه على أن كل جهد إيجابي في هذا المجال يجب أن يذكر ولا يُقابل بالنكران كما يفعل كثير من مرضى العواطف الوطنية، كما لا يجب السكوت على أي تقصير أو إهمال بنفس الوتيرة والحماس، فالصدق أبقى والإنصاف من شيم الأشراف، وشرف المسلم في عون أخيه المسلم، وسلامة المسؤول من العيوب رهن أمانته بعيدا عن العواطف التي تدفع إلى المحاباة ظلما للبعيد وإن أجاد وأفاد، وذودا عن القريب وإن خان وقصّر وضيع الأمانة!!.
أعود وأجدد وسأظل أكرر كما غيري يفعل أن ضرورة نشر الوعي أصبحت أشد إلحاحا من أي وقت مضى، وهنا يجب التنبيه على إنعاش ذلك عند الأسواق والمساجد إضافة إلى وسائل الإعلام بعمومها، من المهم جدا بل من الواجب أن نُخاطب الناس عبر مكبرات الصوت لكل مسجد بعد كل صلاة مكتوبة ونشدد عليهم بالتزام التعليمات من تعقيم وتباعد وبقاء في البيوت لكل من يجد بدا من الخروج، وعلى الجميع تفعيل قراءة القرآن في المساجد وهو الإجراء الذي اتبع بداية تيمنا وتحصنا ثم توقف وطولب به بعد ذلك لكن يلاحظ في كثير من الأحياء عدم التجاوب مع ذلك!، وكذلك يلزم الوقفين السني والشيعي أن تزود كل المساجد بمواد تعقيم وليس مجرد القيام بتعقيم بعضها في حدث قد لا يكون عاما وحتما سيكون كما لوحظ عابرا؛ فالعملية تحتاج تكرارا واستدامة، والملاحظ أيضا والحمد لله أن رواد المساجد مازالوا كما كانوا –تقريبا- وإن كانت اللحظة تقتضي الاحتراز والتقليل من التجمهر، لكن الصحوة التي شهدها المجتمع وبها أو معها عمّر المساجد، جعلت رواد المساجد كُثر والحمد لله والمنة له وحده، لكن ذلك ينبغي أن يُقابل في هذه الفترة خاصة بما قوبل التجمهر عند الأسواق بالتعقيم والاحتراز لأن الوباء ابتلاء ولا أحد يملك ضده بطاقة الأمان ما لم يتقيد بأسباب الوقاية ثم يتَّكِل على الله الحفيظ سبحانه وتعالى، فأقدار الله لا تحابي أحدا، وعلى كل منا أن يحيي عقيدته بقوة التوكل على الله دون أن يفرِّط في الأسباب المطلوبة شرعا والموصى بها احترازا.
وعلينا أن ندرك أن المسؤولية أصبحت مسؤولية الجميع، ولذا يجب أن نقوم بما يلزم، كل من موقعه وبما أُتيح له، بعيدا عن تدافع التهم وهدر الوقت والجهد في مماحكات بينية لا تجدي نفعا ولا تقتل فيروسا أو تُقيد حركته.
ـــــــــــــــــ

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك