المقالات

ترميز التافهين


عبد الكاظم حسن الجابري

 

يمثل الرمز قيمة عليا في ثقافة أي مجتمع ينمو ويكبر فيه هذا الرمز.

وتتصل صناعة الرموز باعتبارات عديدة, منها ما هو روحي ديني, ومنها ما هو اسطوري, ومنها ما هو علمي, ومنها ما هو اجتماعي, ومنها ما هو اخلاقي.

غالبا ما كانت الرمزية عند  شعوب الارض تتصل بقيم اخلاقية واجتماعية اهمها الشجاعة والشهامة والكرم والعلم وخدمة المجتمع او الزعامة القبلية.

ارتبطت الرمزية الدينية –بصورتها العامة- بالنظرة للإلهة –أيا كان الاله- واسبغت عليه هالات من الصفات الخارقة.

في الاسلام كانت الرمزية تخضع لضوابط صارمة, يرسمها المنهج القرآني, فبعد توحيد الله بكل صفاته الكمالية والجلالية, وانه واجب الوجود, وبعدها الايمان بالنبي العظيم محمد صل الله عليه واله وسلم وعترة الطاهرين تأتي الرمزية بضابطة قرآنية واضحة لا لبس فيها "إن أكرمكم عند الله اتقاكم" ولا فرق بين عربي واعجمي إلا بالتقوى" وكانت هذه الضابطة هي ضابطة الاعتدال في اضافة الصور الرمزية على الافراد, كما وان الاسلام لم يغفل دور الموقع الاجتماعي, وذوي السجاية الكريمة في الاعتداد بهم كرموز متميزين ضمن دائرة التقوى.

كانت رمزية البطولة هي الرمزية الاعلى تقريبا ضمن إطار فسلفة صناعة الرمز, وكانت هذه الرمزية مرتبطة بالقادة العسكريين الى وقت متأخر -بداية القرن العشرين- لذلك اشتهر نابليون ورومل وهتلر ورزفلت وغيرهم من قادة.

كذلك خلال النهضة الاوربية منتصف القرن الثامن عشر, ومع الثورة الصناعية, وبموازاة القادة, برزت الرمزية للعلماء والمفكرين والمخترعين فصار اديسون واينشتاين ونيوتن وكود يير وكراهام بيل وغيرهم نماذج متميزة في المجتمع.

مع التحول الرأس مالي الكبير والاتجاه لإعلاء القيم المادية على القيم الروحية والمعنوية, ما بعد الحرب العالمية الاولى, بدأت تصعد الى السطح رمزية غريبة بعيدة عن القيم والاعتبارات السابقة, فصار الممثلون والمغنون والمهرجون ولاعبو كرة القدم رموزا مجتمعية, فتصدر المشهد شارلي شابلن ومارلين مونرو وبيليه وغيرهم.

هذه الرمزية الجديدة بدأت تتصاعد شيئا فشيئا, الى ان اصبحت شبه عقيدة لدى المجتمع, فغُيِّب عندها دور العلماء, ونُسِيَ المفكرون واُبْعِدَ الفلاسفة وصار الممثل واللاعب هو المتقدم.

كعادة القيم المادية انها تتسافل دوما بمنحى تنازلي, صارت التفاهة حدا لا يطاق في صناعة الرموز, ومع انتشار الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي, اخذ صُناع المحتوى المرئي من يوتيوبرية ومدونين يتصدرون المشهد, وبدأنا نجد صانع محتوى لايفقه شيئا ولا يجيد غير المحتوى التافه, حائزا على المتابعات, وتتلقفه القنوات الفضائية لتقدمه في لقاءات تلفزيونية او زجه في منتجات درامية او اعلانات تجارية.

هذه الرموز التافهة لا تقدم اي شيء للمجتمع, لا على المستوى الثقافي, ولا على المستوى العلمي ولا الاجتماعي ولا الاخلاقي, بل على العكس اخذت هذه الرموز التافهة كل قيم المجتمع معها نحو الهبوط والتسافل.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك