المقالات

كربلاء ..بوابة السماء ..

1818 2019-09-04

أ.د.ضياء واجد المهندس

 

كانت احد نوافذي لبيع القرطاسية وتجهيز المكتبيات والاحبار، امراة سامرائية تدعى (ليلى) ،طيبة القلب، حسنة المعشر ، ذات وجه مبتسم ، تعمل مع فتاة في نهاية العشيرينات تدعى (اسيا) ، خريجة اداب ، حادة الطبع ، لم ارها في يوم تضع مكياج او تتزين ، تقضي فراغها في قراءة الكتب التي تستعيرها من جارنا (ابو علي) صاحب محل لبيع الكتب في باب المعظم شارع المكاتب..

كانت حدة الخلافات بيني وبين اسيا كبيرة، فهي تحسب الامور بالمسطرة، والبيع والشراء بمقياس مادي دون مراعاة لظروف الناس والخواطر..كنت في نهاية كل اسبوع ،التقيهم لاستحصال مبالغ تسديدات الوكلاء والزبائن الذين ينتظروني للحصول على خصومات او تخفيضات، وهذا كان يغضب اسيا الذي كانت تعتبره تجاوزا لها وعليهاً..وذات مرة ، قالت لي غاضبة: قد تكون تفهم في الهندسة وهذا لست متاكدة منه، ولكني متاكدة انك غشيم في التجارة، لان الكثير يستغفلك و يعبر عليك المسكنة...كان ردي قاسيا: انت موظفة تعملين بطريقتي، والمال مالي، ولا داعي لتنصحيني كيف اعمل ؟؟؟ .اخذت اسيا حقيبتها وذهبت تاركا العمل ودموعها في عينييها ..في اليوم التالي جائتني ليلى لتطلب اعادة اسيا للعمل، لأنها بحاجة للعمل اقتصاديا ونفسيا ولانها لا ترتاح لبقائها بالبيت ، وهي تتصرف من حرصها علي وعلى مالي ..قلت ل ليلى : لكنني لن اطردها ولكن لتعد..في اليوم التالي جاءت ليلى واسيا لتصفية الامور، وكان اللقاء هادىء، وقلت لها :اني سمعت ان افضل طريقة لاخماد عصبية وازالة هم ابن ادم ،ان تودعه عند الامام الحسين (ع).. والمفاجاءة كانت ان اتفقت الاثنتان على ان نذهب الى كربلاء لزيارة الحسين (ع)..

كانت علاقتي باهل ليلى واخواتها الاثنين علاقة عائلية حميمية، ولان شقيقهم الاكبر اسمه ضياء، فقد كان يظن الجميع اني شقيقهم، ناهيك عن انهن يشركني بكل مشاكلهن وامورهن العائلية والعملية ..

في اليوم التالي، جائتني ليلى لتبلغني: ان امها واختها (ام عمر) سيكونن معنا في زيارة سيد الشهداء (ع) ، واتفقنا على الاتفاق مع سائق سيارة اجرة ليقلنا الى كربلاء ويرجعنا الى دارنا يوم الجمعة.. كانت اوضاع البلد مقلقة لان الجميع عاد الى الدوام بعد احداث ١٩٩١، ولم يكن ببالي ان اوضاع كربلاء الامنية خطرة وان الزيارة شبه ممنوعة .

في الصباح الباكر من يوم الجمعة، وصلت سيارة برازيلي زرقاء موديل (١٩٨٦) ،عائدة لام عمر وهي شقيقة ليلى ومعهن امهن السيدة الضعيفة الذي انهكها الزمن واوضاع العراق . سلمت عليهم وسالتهم عن سبب غياب اسيا وعدم مجيء سيارة الاجرة..تبين ان اهل اسيا خافوا عليها من اوضاع كربلاء الامنية واعتذر السائق لنفس السبب.. طلبت منهن دقائق الى البيت لأجلب فواكهة و حلويات ، وبالرغم من انهن  جلبن كل شيء ،الا اني نزلت ودخلت الدار لاجلب مسدسي وهو (برونيك ١٣)، وجلبت فاكهة وحلوى. قامت ام عمر وليلي بترتيب الامتعة والاطعمة في الصندوق ، ووضعت المسدس تحت الكرسي الامامي بجوار السائق، وكنت اظن ان لم يرني احد، ولكن تبين ان الام راتني وسكتت ..

انطلقنا بعد ان قالت الام: اقرأوا الفاتحة على روح ام البنين، وعلى امتداد الطريق، كانت السيطرات من الرفاق البعثيين ومن الحرس، وكانت هويتي الجامعية بيدي، ومجاملة الام للمفتشين والدعاء لهم لتسهيل مرورنا الى ان دخلنا كربلاء، ووصلنا ضريح الامام الحسين (ع)..كان اختيارنا لإيقاف السيارة يثير الشبهة، ولكن مضينا لدخول الضريح، وكان التفتيش وابراز هوية الاحوال يطلبه الضابط والجندي في كل مكان ...

عندما دخلنا كان الامام وجدناه شبه خال من الزوار، والموجوين داخل الضريح هم من الامن ،واضح من شكلهم وهيئتهم وحتى الكليدار كان يراقبنا..كانت اثار قذائف الحرس بارزة في مقامات سيدنا الحسين (ع) واخيه ابو الفضل العباس ،بالرغم انهم غطوه بقماش وكانهم يريدون ان يحجبوا نور الشمس بايديهم .

عندما مسكت شباك سيد الشهداء، قلت: احاطوا بك ليسجنوك ،ويمنعوا محبيك وانت في قلوبهم، وهم المسجونون بخوفهم وبغضهم ،وسيقلبها عليهم ربنا الجبار العظيم..

عندما انهينا الزيارة، كان الجميع ينظر الينا، الا ان احدهم تبعنا، وعند السيارة وعند جلوسنا، قال لام عمر: افتح الصندوق..،عادت ام عمر لتجلس على كرسي القيادة بعد ان اكمل الفحص ، ولكن الجندي فتح بابي ومد يده تحت الكرسي ليخرج المسدس.لم يرفع المسدس عاليا، قال : هذا شنو ؟؟!!!!، قلت : اخواتك وياي ، والطريق تعرفه خطر ، لازم اكون مسلح وانا استاذ جامعي ، العرض والشرف غالي ..تدخلت السيدة الام : ابني انت من الضلوعية ؟ ، قال : نعم .شمدريك ؟! ، قالت : عيالي من الضلوعية ، تعرف بيت (كوان ) ، ووو حتى وصلت الى اسم ،قال هذا الشيخ عم والدي.. ثم التفت لي: اريد اجازة السلاح!!!!، اخرجت محفظتي ثم اخرجت هويتي الجامعية وهوية نقابة المهندسين منها ، واعطيته المحفظة .قلت له : الاجازة في المحفظة ،تطلع الى المحفظة الحبلى بالنقود و ادخلها في ردنه وترك المسدس..

صاح الضابط: يول يا صديد ، شكو ؟؟؟، قال : كرايب ، قال الضابط : يول ،شيسون هين كرابتك ؟؟؟!!

انطلقنا واصفرار وجوهنا ظاهر للعيان بالرغم ان السيدة الام كانت تجامل الجندي والضابط وتدعي لهم ..

عند العودة ، وبعد  نصف ساعة ، عرجنا على منطقة خضراء مفتوحة ،و جلسنا على  بساط افترشناه ،و قامت الاخوات باعداد المائدة من الدولمة والبرياني والكبب الى حد ابريق (ترمز) الشاي..الكل بدا يسرد خوفه و تزايد نبض قلبه ، بينما بدات ليلى ب لومي على جلب السلاح ،فالله حامينا ولا داعي للمسدس ، وانها لو كانت تعرف باني جلبته لمنعتني ..قالت السيدة الام : ما كنت خائفة والله شاهد، لاني طلبت من اخو زينب وقلت : يا اخ زينب ،جائناك زائرين ،متقربين بك الى الله ، فبجاهك ومقامك ياسيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة ان تخصنا عند الله بالامن والامن

.اللهم بحق محمد وال محمد وبحق الحسين و ولده وبحق خديجة وفاطمة و زينب  اعمي من يريدون ب ابننا سوء ، احفظه  من شرورهم ، فما لنا سواك ، انت الحافظ والحامي والساتر والناصر ..قلت ام عمر مازحة : اذا امنا دعت ، ليش اعطيتهم المحفظة و خسرنا ملىء( تفويلة ) البنزين ..ضحكنا كثيرا"،لكن السيدة الام قالت: في القران ١٤ سؤال الى الرسول (ص)،يسئلونك عن اليتامى قل ، يسئلونك عن الاهلة قل ، يسألونك ماذا ينفقون قل ، يسألونك عن الروح ، وووو، كلها فيها قل يا محمد ، الا الدعاء لان الله يقول في كتابه( واذا سألك عبادي عني ،فاني قريب ،اجيب دعوة الداعي اذا دعاني) ، الله يجيب الدعوة قبل ان ننطقها ..

يا بنات ، عندما تصلون كربلاء ، فان صدق نياتكم تفتح ابواب السماء اكراما لابي عبدالله الحسين ..بقت في ذاكرتي : كربلاء بوابة السماء ، يستجاب فيها الدعاء..

اللهم احفظ العراق والعراقيين..

انت مولانا يا ارحم الراحمين..

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك