المقالات

توظيف الإرهاب في استراتيجيات حروب التكلفة الصفرية

3632 2019-03-19

خالد الخفاجي  Khalid.alkhafaji@yahoo.om

 

غالبا ما ترتبط الأزمات الاقتصادية بالحروب وتكاليفها الباهظة, خاصة مع دولة كالولايات المتحدة تبنت عقيدة الحرب الدائمة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لإدامة زخم رخاءها الاقتصادي وتفوقها العسكري, وتكاليف الحروب لا تقتصر على الدولة المغلوبة التي تدفعها من دماء وقوت أبناءها فحسب, بل إن الدولة الغالبة أيضا تتحمل الكثير من التكاليف حتى إنها تفوق كثيرا تكاليف الدولة المغلوبة, فتكاليف الحرب على العراق إذ بان غزوه عام 2003 فاقت تكاليف تدميره, فيما أكمل الحاكم المدني "بول بريمر" تدمير ما تبقى منه وتفكيك مقومات الدولة بعد انتهاء العمليات العسكرية.

إن السعي إلى (حروب ذات الكلفة الصفرية) أصبح هاجس المخططين الأمريكان, ووضع استراتيجيات التدمير الذاتي للدول, وفي تبرير صارخ عن أسباب خلق بؤر التوتر وإشعال فتيل الحروب بين دولة وأخرى أو بين مكونات مجتمع الدولة الواحدة, نقتبس نصا لمستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر (زبيغينو بريجينسكي) واحد كبار مخططي الإدارات الأمريكية ورد في كتابه (الاختيار) عن حروب التكلفة الصفرية فيقول: "ان تحقيق هدفك المنشود واستراتيجياتك التي وضعتها أنت دون غيرك باستخدام أدوات غيرك مالا ورجالا، وإلحاق الهزيمة بخصمك القوي بخصمك الآخر، وتكون أنت القوة الفاعلة والوحيدة في صناعة قرارات المتخاصمين، إنما هي من المعجزات الفكرية, وابهر أنواع اللعبة السياسية وابلغها فنا ومقدرة".

هذه هي الحروب بالوكالة التي تخاض عن بعد. يخطط لها الأذكياء وينفذها الأغبياء, ويتلظى بسعيرها الأبرياء, ويدفع تكاليفها المادية والبشرية أناس لا ناقة لهم فيها ولا جمل ذنبهم إن بلادهم قد أدرجت كهدف لأطماع الشركات الأمريكية.

لقد كان لاندحار الروس وانسحابهم من أفغانستان عام 1989على يد ما كان يعرف بـ (الأفغان العرب) الأثر في تحفيز المحللين الاستراتيجيين وخبراء الحروب الأمريكان إلى دراسة وفهم طبيعة عناصر هذه الحرب والأسس والعقائد التي قامت عليها لتطويرها وإعادة استخدامها في الحروب المستقبلية, فأستنبطت منها استراتيجيات الحروب اللامتكافئة التي لا تستند إلى التصادم المباشر بين الجيوش النظامية وإنما من خلال زمر عصابية متعددة الجنسيات ذات عقيدة دينية متطرفة عابرة للحدود تتمتع بتسليح راقي وأسلحة متطورة ووسائل قيادة وتحكم تضاهي ما تملكها أكثر جيوش العالم تطورا, مع الاستعداد الكامل لعناصرها للتضحية بالنفس والانقياد الأعمى لتنفيذ مايؤتمرون به بعد غرس العقائد الشاذة في أدمغتهم لارتكاب أفظع الجرائم دون تأنيب الضمير ودون تحمل تبعات أفعالهم أخلاقيا وقانونيا أمام الرأي العام الدولي, وعلى غرار صناعة تنظيم القاعدة وبطريقة محدثة تم صناعة العشرات من التنظيمات الإرهابية المتطرفة لشن حروب القرن في اضعف دول العالم وأكثرها حيوية.  

لقد برهنت التنظيمات الإرهابية المتسترة بالدين بأنها خير من ينفذ استراتيجيات الحرب بالوكالة وتكاليفها الصفرية, لذلك احتضنت التنظيمات الإرهابية القائمة, وصنعت غيرها وزجت في العراق وسوريا واليمن وليبيا وأفغانستان ومعظم الدول الإسلامية, فالإرهاب باسم الدين له خاصيات تميزه عن غيره من أنواع الحركات الإرهابية الأخرى التي كانت شائعة أيام الحرب الباردة (كحركات التحرر أو المجموعات القومية واليسارية) فهو مختص بالمعتقد، ومنفذ لإرادة (إلهية) ومتعلق بالاستشهاد والذي يعقبه دخول (الجنة) ويخترق الحدود القومية والطبقية ليأخذ صفة التيار الديني العالمي وهذا ما يسهل عملية تغلغل الوكلاء المخابراتيون إليه من شتى الدول الحليفة وذات المصلحة المشتركة بسهولة لقيادتهم وتوجيههم حتى عندما يدعي التنظيم الإرهابي العداء لأمريكا والغرب، ويرتكز على مخزون لا ينضب من التبريرات التي يستقيها من (السلف الصالح) والتجربة (الوهابية المتطرفة) والتي تنسجم تماما مع والعنف الأعمى المطلوب في مثل هذه الحركات، لينخرط في سياقها سذج الناس والجهلة والرعاع, فلن يكون لهم مكانا حقيقيا في النضال التحرري ضد القوى الاستعمارية أو الأنظمة الاستبدادية، وهو أيضا يحافظ على الجسر الرابط بينه وبين المشاريع الاستبدادية باسم الدين ويعمل على إقامة دول فاشلة ومأزومة تقوم على إرهاب الشعوب والدول باسم (الخلافة) كدولة (داعش) وحركة (طالبان) وأنظمة حكم (الربيع العربي)، والقيام بأعمال لم تكن معهودة من قبل في الحركات الإرهابية الأخرى، فقد تحول الجسم البشري إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت ومكان ولأي هدف كان حتى وان كان الهدف مسلما اعزلا, فالهدف هو تدمير البشر والحجر بيد الرعاع، ومن ثم تهيئة البيئة الملائمة للتدخل العسكري الأمريكي باسم محاربة الإرهاب, وستكون دول الفتن الطائفية السباقة لتمويل حملات التدخل الإنساني وإكمال تدمير ما تبقى وفرض شرعية الغاب الأمريكي باسم الشرعية الدولية.

إن هذه الاستراتيجيات من الحروب القذرة التي تطبق عمليا في العراق وبقية الدول الإسلامية, لا تسعى إلى قتل البشر وتدمير البنى التحتية للدولة بقدر ما تسعى إلى تفكيك مقومات المجتمع وخلق حالة من العداء المزمن بين أبناءه, والتخلي عن هويتهم الوطنية واستبدالها بهويات عرقية واثنيه, فتتكتل هذه المكونات بهوياتها الجديدة وكل مكون اعد العدة لصراع صفري مع غريمه اللدود, فتنشأ مراكز قوى متكافئة في القدرات العسكرية والسياسية بشكل مقصود لإطالة أمد الحرب دون حسم من طرف على حساب طرف آخر, ومن الغريب إن هذه الاستراتيجيات لم تنسج في دهاليز الأجهزة المخابراتية المظلمة كما كان عليه الأمر في السابق, وإنما تجري في العلن, في مؤتمرات وندوات واستراتيجيات وغرف قيادة تعلن أهدافها مسبقا لما ستجري من أحداث ... 

إنهم يعدون العدة لإبادتنا بصناعة الإرهاب ونشره في صفوفنا كإحدى استراتيجياتهم للتدمير الذاتي والسيطرة على مقدراتنا دون خسائر تذكر, ومن الحماقة أن نصدق إن الولايات المتحدة تحارب إحدى استراتيجياتها لتحقيق مصالحها بخديعة الحرب على الإرهاب, فماذا اعددنا للتصدي لهذه المشاريع لحماية وتحصين مجتمعاتنا من هذه الاستراتيجيات الإرهابية ؟

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك