المقالات

شهادة بطعم العراق

2181 2019-03-09

علي عبد سلمان

 

مع حلول الأول من رجب تختلط المشاعر وتزدحم الأحاسيس والتي اقل ما يقال عنها صادقة, وعام بعد عام يبقى ذكر شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (قدس) طود شامخ وسفر خلود وعنوان تضحية وقائد مسيرة وقائد ثورة وصانع, أوصاف ليست بعيدة عنه لكنها لن تفي حقه فاللسان يعجز والكلمات تخجل والأقلام ترتعش وتتلعثم المعاني فالخطيب المفوه خضب بدمه والفقيه الملتزم والعالم الرباني قد فقد ليثم الدين ثلمة لايسدها غيره ولا يعوضها الا هو.

نستذكر في مثل هذا اليوم ذكرى شهيد المحراب والذي يعد فعلا يوما للشهيد العراقي وهو من أمضى حياته كل حياته في سبيل قضية وحمل هم شعب جاهد وناضل وبذل كل غالي ونفيس لأجل دين وليحيى مذهب, حورب وعذب وسجن وهجر وضايقه الكثير, حاول إسقاطه المدعين وناوئه المتزلفين, وحسده انصاف العلماء, باركه العلماء وسانده الاوفياء وأحبه الفقراء, نعم أحبه الفقراء المحرومين المضطهدين, لم ينس احد لم يقصر يوما بحق احد, الا بحق نفسه أعطى الجميع ولم يأخذ شئ الا الذى على جسده الطاهر, ومرضاة الله التي كانت غايته. فهل سنكون بمستوى كل ذلك العطاء ؟؟ دموعك لازالت تنساب وتتدفق سيدي وثغرك الباسم يتراى لي كلماتك ترن في إذني خطابك الجهوري, أياديك الكريمة وشيبتك الطاهرة سريرتك النقية يا اباصادق, هي من جعلتني أراك رغم وجود الجميع صدقك وعملك وثقتك بالله هو من جعلني اصبر الى اليوم على كل المحن, وان كانت المصائب تترادف والمشاكل تتحالف والمحرومية تزداد, لكن وان طال الزمن وان كانت تسع سنين فهي تسع سنين, والدمع لم يجف, تسع سنين, والقلب لم يكف عن الاضطراب, تسع سنين, وأنت باق تسع سنين, وأنت أنت كما كنت ذاك الحكيم كما كنت نفس الحكيم كما أنت أنت الحكيم, صعدت الى السماء وبقينا, ربما لايعرفك الباقون, لكنه جهل بشخص عرفه طريق كربلاء وسار مسير الحسين عليه السلام واحتضنه امير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام ليقترن اسمك باسمه, لتكن قربانا لما أمنت وفداء وشهيدا للمحراب .

 

الولادة والنشأة

 

ولد آية الله السيد محمد باقر بن الامام السيد محسن الحكيم في "20 جمادى الاولى 1358 هـ الموافق لعام 1939م" في مدينة النجف الاشرف وسط العراق.

وعائلة آل الحكيم من العوائل العلمية العربية المعروفة في العراق يرجع نسبها الى الامام الحسن المجتبى بن الامام علي "عليهما السلام".

ونشأ في بيت والده المرجع الاعلى للطائفة في زمانه وتلقى علومه العالية في النجف الاشرف على يد اساتذة اكفاء.

وفي سنة 1375 هـ دخل مرحلة السطوح العالية، فدرس عند أخيه الاكبر آية الله السيد يوسف الحكيم، وآية الله السيد محمد حسين الحكيم، وآية الله العظمى الشهيد محمد باقر الصدر "قدس الله ارواحهم".

وبعد مرحلة السطوح حضر البحث الخارج عند آية الله العظمى السيد ابي القاسم الخوئي "قدس سره" وآية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر "قدس سره" ، ونال سنة 1964م درجة الاجتهاد في الفقه واصوله وعلوم القرآن من آية الله العظمى الشيخ مرتضى آل ياسين "رض".

نشاطه العلمي

مارس التدريس في الحوزة العلمية في مرحلة السطوح العالية، فكان درسه في كفاية الاصول في مسجد الهندي في النجف الاشرف محط طلاب العلم والمعرفة، كما مارس التدريس منذ عام 1964م في كلية اصول الدين في بغداد في مادة علوم القرآن، وفي جامعة الامام الصادق "ع" لقسم الماجستير في علوم القرآن في طهران وفي جامعة المذاهب الاسلامية لعلم الاصول.

كما اشترك مع آية الله الشهيد الصدر "رض" في مراجعة كتابيه (فلسفتنا، واقتصادنا) وقد اشار الامام الشهيد الصدر "رض" الى هذا الموضوع في مقدمة كتاب اقتصادنا فوصفه بـ "العضد المفدى".

وفي ايران وبالرغم من انشغالاته بالتحرك السياسي، فانه اولى الدراسة الحوزوية اهتماماً يتناسب مع حجم انشغالاته الجهادية، فدرس على مستوى البحث الخارج باب القضاء والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وولاية الفقيه، كما ساهم وبصورة مستمرة في المؤتمرات الفكرية والندوات واللقاءات العلمية والثقافية التي تقام في الجمهورية الاسلامية الايرانية، وتناولت بحوثه: التفسير، والفقه، والتاريخ، والاقتصاد، والسياسة، والاجتماع، والفكر الاسلامي.

وحتى عودته الى وطنه العراق، كان (رض) يرأس المجلس الاعلى لمجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية، وعضو هيئة امناء جماعة المذاهب الاسلامية، كما كان يحتل موقع نائب رئيس المجلس الاعلى للمجمع العالمي لاهل البيت "ع" وعضو ومؤسس لجامعة اهل البيت "ع"، وصدرت له كتب في مجالات مختلفة على الصعيد العلمي والسياسي وعدد كبير من الابحاث والكراسات، واهم كتبه المطبوعة:

1ـ دور اهل البيت "ع" في بناء الجماعة الصالحة "جزءان".

2ـ تفسير سورة الحمد.

3ـ القصص القرآني.

4ـ علوم القرآن.

5ـ الهدف من نزول القرآن.

6ـ الحكم الاسلامي بين النظرية والتطبيق.

7ـ الوحدة الاسلامية من منظور الثقلين.

8ـ المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن وقد طبع في العراق في اوائل السبعينات.

9ـ ثورة الامام الحسين "ع".

10ـ المرجعية الصالحة.

11ـ المجتمع الانساني في القرآن الكريم.

12ـ الامامة في النظرية الاسلامية.

13ـ حوارات 1 و 2.

14ـ حقوق الانسان من وجهة نظر اسلامية.

15ـ النظرية السياسية للشهيد الصدر.

16ـ الصراع الحضاري والقضية الفلسطينية.

17ـ دور الفرد في النظرية الاقتصادية الاسلامية.

وتفسير عدد من سور القرآن المجيد، وغيره من الابحاث العلمية المتنوعة.

نشاطه السياسي

ابدى سماحته (رض) اهتماماً مبكراً باحوال المسلمين واوضاعهم، ولذلك فكان من اوائل المؤسسين للحركة الاسلامية في العراق، وقد كرَّسَ جهده ووقته في مرجعية والده الامام الحكيم "رض" فكان يقوم بالنشاطات الاجتماعية ويزور المدن ويلتقي بالجماهير ويمارس دوره في التبليغ والتوعية، وتحمل مسؤولية البعثة الدينية لوالده الامام الحكيم الى الحج ولمدة تسع سنوات حيث كان قد اسس هذه البعثة لاول مرة في تاريخ المرجعية الدينية.

مثّلَ (رض) والده الامام الاكبر الفقيه المرجع السيد محسن الحكيم في عدد من النشاطات الدينية والرسمية، فقد حضر كممثل عن والده في المؤتمر الاسلامي المنعقد بمكة المكرمة سنة 1965م، وكذلك في المؤتمر الاسلامي المنعقد بعمّان بعد نكسة حزيران 1967م.

واثناء تصاعد المواجهة بين الامام الحكيم "رض" وبين نظام العفالقة في بغداد وخلو الساحة من اغلب المتصدين بسبب السجن والمطاردة لازم السيد الحكيم والده الامام الحكيم وادار اعماله، حتى انتقل المرجع الاعلى الى جوار ربّه الكريم في 27 ربيع الآخر سنة 1390هـ "عام 1970".

الاعتقالات

تعرض للاعتقال عدة مرات من قبل نظام العفالقة في بغداد فقد اعتقل اول مرة عام 1972م، ثم اطلق سراحه.

وفي عام 1977 تم اعتقاله مرة ثانية بسبب دوره في انتفاضة صفر، وحكم بالسجن المؤبد من دون تقديمه للمحاكمة، وتم اطلاق سراحه في "عفو عام" في 17 تموز 1978م، لكنه منع من السفر ووضع تحت المراقبة السرّية.

هجرته

هاجر من العراق بعد استشهاد آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر "رض" في اوائل شهر نيسان عام 1980م، وذلك في تموز من السنة نفسها.

نشاطه في خارج العراق

منذ اول هجرته من العراق سعى سماحته لتصعيد العمل الجهادي الشامل ضد نظام الطاغية صدام وقد قام بخطوات كبيرة في هذا المجال، اسفرت عن تأسيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق.

انتخب رئيساً للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق منذ عام 1986م الى استشهاده.

اهتم سماحته بتصعيد الروح القتالية لدى العراقيين المظلومين، فأسس في بداية الثمانينات التعبئة الجهادية للعراقيين وتشكلت نواة خيرة من المقاتلين ثم تطورت حتى صارت فيلقاً يعرف اليوم بأسم فيلق بدر.

كما اهتم بانشاء المؤسسات ذات الطابع الانساني، فأسس "مؤسسة الشهيد الصدر" والمؤسسات الصحية، ثم المركز الوثائقي لحقوق الانسان في العراق، ومنظمات حقوق الانسان في العراق المنتشرة في ارجاء العالم.

وعلى الصعيد الانساني ايضاً شجّع المؤمنين والمحسنين على تأسيس لجان الاغاثة الانسانية للعراقيين، والتي قدمت خدمات جليلة للعوائل المستضعفة وعوائل الشهداء والمعتقلين في العراق، حيث تقدم هذه المؤسسات سنوياً المبالغ الطائلة رعاية لهم.

وعلى الصعيد الثقافي اسس سماحته مؤسسة دار الحكمة التي تقوم بتخريج طلبة العلوم الدينية واصدار الكتب والكراسات الثقافية والدورات التأهيلية.

وكذلك اسس مركز دراسات تاريخ العراق الحديث، وهي كلها مؤسسات يقوم سماحته بالاشراف عليها وتوجيهها والانفاق عليها من اجل خدمة قضايا الاسلام والمسلمين في العراق.

شهادة ثلاثة مراجع

مارس سماحته العمل في ظل ثلاثة من كبار المراجع العظام فمنهم والده الامام الحكيم الذي نال ثقته واعتماده عليه في الكثير من الامور السياسية والاجتماعية والمالية.

كما عمل مع الامام الشهيد الصدر "رض" وكان ملازماً له كتلميذ وصديق، فوصفه الامام الشهيد بـ "العضد المفدى" وغير ذلك من العبارات التي تطفح بها رسائله اليه.

كما عمل مع الامام الخميني "رض" فوصفه بـ "الابن الشجاع للاسلام" تقديراً منه لمواقفه الجهادية وصبره واستقامته تجاه النوائب والمصائب التي نزلت به جراء تصديه لنظام صدام، ومنها اعدام خمسة من اخوته وسبعة من ابناء اخوته وعدد كبير من ابناء اسرته في حقبة الثمانينات من القرن العشرين.

كما كان يحظى حتى اليوم الاخير من حياته الشريفة باحترام وتقدير جميع مراجع الدين العظام المعترف بهم من قبل الحوزات العلمية.

عودته وشهادته

عاد سماحته (رض) الى العراق في 10/5/2003 واستقر في مدينة النجف الاشرف في 12/5/2003 وبعد وصوله باسابيع قليلة اقام صلاة الجمعة في صحن جده امير المؤمنين الامام علي "ع" ورغم كثرة مشاغله فقد واظب على امامته لها.

وفي يوم الجمعة الاول من رجب 1424هـ استشهد (رض) بأنفجار سيارة مفخخة وضعت قرب سيارته بعد خروجه من الصحن الحيدري الشريف بعد اداء صلاة الجمعة. وادى الحادث الاجرامي الى استشهاد وجرح المئات من المصلين وزوار الامام علي "عليه السلام.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك