المقالات

هل ستلتحق التسوية بمقبرة الندم؟!‏

2859 2017-01-06

محمد الحسن

‏       الإعلام زاحم ثالوث السلطات, وصار سلطة رابعة, متنازلاً عن مهمته الكبرى: التوعية وصولاً ‏لمجتمع متصالح مع ذاته ومع الحياة. لا نعني بالإعلام كمهنة وعلم؛ إنما إستخدمت سلطته من قبل ‏العصابات المهذّبة فحوّلته إلى سلطة متمرّسة في الإبتزاز وصناعة رأي عام يتقاطع مع الصالح العام. ‏

أطوار بناء المجتمع السليم الملتئم في كيان -دولة- تتعرّض للجمود في ظل تخلّف العقل الجمعي الذي ‏تستثيره الخرافة والغيب, فيسلّم بالمأساة على أنها قدر حتمي الوقوع لابدّ من المكوث به دون عمل.. وليس ‏هناك أفضل من هذه البيئة لتمرير مشاريع العصابات المهذّبة. تبدو تلك العصابات ممثّلة لرغبات الناس ‏ومصالحها, وما تلك الرغبات سوى أوهام بُنيت في رأس المجتمع, فيستقتل في الدفاع عنها. ‏

في ذلك الطور البدائي المرتكز على الهوى الممزوج بالسذاجة؛ يتكلّف أغلب الرجال في إظهار البراءة من ‏أي شيء غريب, وقلة تظهر فيها ملكة الشجاعة جلية عندما تعمل بوحي من الصالح العام, وغريب أنّ ‏المجافين للحق العقلي والمنطق المصلحي الإنساني, رغم إدراكهم لإوهام العقل الجمعي, يتنطّعون في إظهار ‏موالاتهم للرأي العام المبني على الوهم, مهما كان منافياً للصالح العام! لا شكّ في وجود التنافس والحقد في ‏الأوساط الدينية والسياسية والإجتماعية, بيد أنّ المصلحة الإنسانية تدفع ببعض العقول إلى إبتكار الحلول ‏المكرّسة لخدمة تلك القضية.. وربما الرحلة الأوربية المثيرة تصلح للمقارنة, عندما تخلّصت من المبالغة في ‏المقولات الفلسفية المفسّرة للكون والوجود, وركّزت على الإنسان كموجود ومصلحته بإعتباره قيمة عليا ‏تمثّل مركز الوجود؛ فظهرت المذاهب الحديثة والمعاصر: ماركسية, وجودية, براغماتيمة..إلخ. ‏

يذكر جواهر لال نهرو في كتابه "لمحات من تاريخ العالم" قصة خروج موسكو الشيوعية من الحرب ‏العالمية الأولى التي ورثتها من بطرسبرغ عاصمة الإمبراطورية الروسية, حيث شرط الألمان على ليون ‏تروتسكي -خطيب الثورة المفوّه- دخول قاعة المفاوضات بالبدلة الرسمية عوضاً عن العمالية التي ترمز ‏لأهم مبادئ الشيوعية, فأتصل تروتسكي بزعيم السوفيت فلاديمر لينين يستأذنه العودة, فأجابه الأخير:"لو ‏طلب منك الألمان الدخول بالشلحة النسائية فلا تتردد, مستقبل روسيا بين يديك".. خرج الروس من الحرب ‏بتأجيل أحد مبادئهم, إلا أنهم رفعوا الراية الحمراء فوق الرايخ بعد عقدين ونصف من الزمن, وبقيت حتى ‏سقوط جدار برلين بعد خمسة عقود.. هل أمتاز غيرنا بالعقليات الفذّة بينما عجزت أرضنا عن إنجابها؟!‏

لنتذكّر: اللجان الشعبية, الفيدرالية, أنبارنا الصامدة.. كلها حلول غريبة رفضت على أنّها مشاريع عمالة, ثم ‏صارت مطالب شعبية دون ندم على الرفض الأول. تلك بعض تجاربنا المؤلمة, واليوم هناك أمل بعبور هذا ‏الطور المزعج؛ فهل سيوضع ملف التسوية على ذات الأدراج المترّبة؟.. لن يكون الغبار عادياً هذه المرة؛ ‏إنما هو غبار تحمله السماء من تطاير بقايا تراب الوطن الذكرى!..‏

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك