المقالات

رجال الإمام الحسن"ع"ليسوا كرجال الحشد!؟

2296 2016-11-08

عباس الكتبي

يروي الشيخ الطبرسي في"الاحتجاج" أنّه لما صالح الحسن بن علي بن أبي طالب،معاوية بن أبي سفيان،دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته، فقال"عليه السلام":

((ويحكم ما تدرون ما عملت،والله للذي عملت لشيعتي خير ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت،ألا تعلمون أنّي إمامكم ومفترض الطاعة عليكم،وأحد سيّدي شباب أهل الجنة بنصّ من رسول الله( صلى الله عليه وآله)عليّ؟ )).

قالوا:بلى،قال: 

((أما علمتم أنّ الخضر لمّا خرق السفينة ،وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران"عليه السلام" إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عندالله تعالى ذكره حكمةً وصواباً؟ أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلاّ يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم"عج"،الذي يصلي خلفه روح الله عيسى ابن مريم"عليه السلام"؟)).

في هذا الكلام قد بيّن الإمام الحسن عليه السلام،العناوين والخطوط العريضة للحكمة من صلحه مع معاوية، والرؤية السياسية الواقعية الصالحة، لحفظ الأمة الاسلامية عامة،ولشيعته خاصة،دون ان يخوض بتفاصيل الأسباب التي دفعته الى الصلح، ولكن"سلام الله عليه"أشار اليها بأستشهاده بآيات من القرآن،كآيات موسى والخضر عليهما السلام،وان كان بيّن"عليه السلام"بعض هذه الأسباب في المواضع التي قام فيها خطيباً، وسنأتي على ذكرها بعونه تعالى.

معاوية ابن أبي سفيان"عليه لعنة الله"،أرسى دعائم ملكه في الشام زمناً طويلاً،ينفق ويغدق الأموال عليهم،فكانوا أهل الشام يعيشون في النعمة،والرخاء والرفاه على حساب بقية المسلمين،حتى أصبحوا يطيعونه طاعة عمياء،ولا يعصون لمعاوية أمراً ان كان حق أو باطل،حفر معاوية بئر عميق،وشرك سياسي شيطاني،ليطيح فيه بالامام الحسن عليه السلام،عندما عرض على الامام مبادرة الصلح،وهو بحالة القوة والقدرة،والأعتزاز بالنفس،ورضى لنفسه بكل شرط يشرطه عليه الإمام، ظناً منه ظن الواثق كل الثقة،ان الامام الحسن عليه السلام،سيرفض هذه المبادرة.

مما يعني ان رفض المبادرة لا خيار آخر غير الحرب، ومن ثمة تبرير قتل الحسن والحسين عليهما السلام،وأهل بيتهما،وبني هاشم،والشيعة جميعاً، الذين يشكلون عقبة أمام طموحات ورغبات معاوية في القضاء على الإسلام الأصيل، المتمثل في أهل البيت عليهم السلام، وتوسيع سلطانه،وخاصة ان معاوية لديه القدرة في تمرير مبراراته،وأقناع الناس بالحجج، وبالذات أؤلئك الذين ينظرون الى ظواهر الأمور ويحكمون عليها،ولا توجد لديهم معرفة أو بصيرة في بواطنها، وما اكثرهم ولكن المفاجأة لم يتوقعها معاوية رغم دهائه،انه الإمام قد قبل بالصلح وشرط عليه شروط لا يستطيع معاوية تنفيذها،فوقع بالفخ،وسقط بالبئر الذي حفره للإمام،وفشلت مخططاته الشيطانية،فاضطر على توقيع وثيقة الصلح.

أنزعج معاوية اشد الانزعاج،وغضب غضباً شديداً من التوقيع على الوثيقة، فلم يصبر ويتحمل الامر،فسرعان ما بان ما كان يضمره من نوايا،وكشف وجه الحقيقي، عندما مزق وثيقة الصلح امام المسلمين،رافضاً جميع الشروط التي فيها،فبعد توقيع الوثيقة توجه معاوية الى الكوفة،ونزل بالنخيلة، وصلى بالناس يوم الجمعة وخطب فيهم فقال في آخر خطبته:

((إنّي والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم،وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون،إلاّ وإنّي منّيت الحسن وأعطيته أشياء،وجميعها تحت قدميّ لا أفي بشيء منها)).

من الاسباب التي دفعت الامام الحسن عليه السلام للصلح مع معاوية، والتي ذكرت على لسان الامام الحسن عليه السلام،هي غدر وخذلان قادة الجيش بالامام عليه السلام،وذهابهم مع معاوية،فأستعمل هذا الأخير سياسة الترغيب والترهيب في معسكر الامام،الذي اخترقه معاوية بالجواسيس والعيون،فقاموا يبثون الشائعات،وشراء الضمائر،حتى أشتروا من القادة البارزين عشرين الف رجل،امثال:(عبيدالله بن العباس الذي هو ابن عم الامام،وقد قتل معاوية ولدين له من قبل،والكندي،والمرادي)، وهذا ما ذكره الامام عليه السلام في كتابه الى معاوية:((امّا بعد،فإنّك دسست الرجال للاحتيال والاغتيال، وارصدت العيون كأنّك تحبّ اللقاء، وما أشك في ذلك،فتوقعه ان شاء الله)).

كما ذكر الإمام سلام الله عليه،في عدة مواضع وهو يخطب باصحابه، كقوله:(قد اخبرتكم مرة بعد مرة انّه لا فاء لكم،أنتم عبيد الدنيا)،وقوله:(قد اخبرتكم مرّة بعد اخرى انّكم لا تفون لله بعهد)،وقوله:(إنّي لأعلم انّكم غادرون ما بيني وبينكم،والله لا تفون لي بعهد،ولتنقضن الميثاق بيني وبينكم)،بعد ان بايعوه على ان يكونوا سلم لمن سالمه،وحرب لمن حاربه،بل ان معاوية قام بشراء كثير من زعماء القبائل،ووعدوا معاوية بتسليم الامام الحسن"عليه السلام' له،ان قرب معسكره من معسكر الامام.

المرجعية الدينية،تمثل الامام المعصوم،بعد الغيبة الكبرى،وهي في مقام النيابة العامة عنه،وعندما أصدر الامام السيستاني"حفظه الله تعالى"الفتوى بالجهاد الكفائي، هبّت الملايين لإستجابة الفتوى بالجهاد،ونزلوا الى الش

وارع،وحتى من غير الشيعة استجابة لفتوى الجهاد ضد أرهاب داعش،وسطروا أعظم البطولات والملاحم في المعارك التي خاضوها،حتى تحقق النصر المبين على أيديهم،فياليت هؤلاء الرجال اليوم بجندهم وقادتهم،كانوا رجال الامام الحسن"عليه السلام' بالأمس،لما تحسر وقال:(ولو وجدت أعواناً ما سلّمت له الأمر،لأنّه محرم على بني أميّة،فأفّ وترحاً يا عبيد الدنيا).

اقول:ان الامام الحسن عليه السلام، حفظ الأمامة المتمثلة بشخصه الكريم، وبأخيه الامام الحسين عليه السلام، وحفظ الخلّص من شيعته،والذي قال عنه عليه السلام:(خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت)، لكن كثير من الناس لا يدركون الامور، ولا يعرفون وجه الحكمة منها،لذلك يعترضون وينعقون مع كل ناعق.

فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة،لولا صلح الامام الحسن عليه السلام،لما كانت كربلاء أو تكون،وابتلاء الامام بالصلح،لا يقل شأناً عن بلاء اخيه  الامام الحسين عليه السلام،وأن هذا لهو البلاء العظيم!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك