المقالات

العراق: هل يمكن ابتلاع الدولة؟/ محمد الشمري

2905 2016-05-03

محمد الشمري

تفصح الاحداث الاخيرة التي حصلت في العاصمة بغداد، عن عمق الازمة التي يعيشها العراق عبر سنوات، والتي هي في جوهرها ناتجة عن سعي البعض من القوى السياسية الى ابتلاع الدولة العراقية او اجزاء منها، تحقيقاً لتطلعات واهداف، البعض منها اقتصادي، أو قومي، أو طائفي، أو عائلي، واحياناً شخصي.
ان تاريخ الدولة العراقية الحديثة منذ نشوئها عام ١٩٢١، يؤكد ان تلك المحاولات جميعها باءت بالفشل، ولعل اقرب تجربة مريرة حصلت هي تجربة النظام السابق، التي وصل خلالها العراق الى ان عائلة واحدة ارادت ابتلاع العراق بالكامل، واصبحت النهاية معروفة للجميع.
المشكلة دائماً في تلك المحاولات انها لا تدور في نطاق النخبة السياسية، على الاقل كما كان عليه الحال في العهد الملكي، ولكنها تستغل التعدد الاجتماعي والفكري الذي يتصف به الشعب العراقي، وتستثير التناقضات الكامنة فيه، لايجاد مرتكزات قوة لتلك القوى في ازاء الاخرين، ولعل ذلك كان واضحاً في اللعب على الثنائيات، شيوعي-قومي، اسلامي-علماني، عربي-كوردي، بعثي-لا بعثي، سني-شيعي، ومؤخراً فوضوي-نظامي، دون أدنى مراعاة لحدود المصلحة الوطنية ولا لحرمة الدماء والاعراض.
لعل البعض يرى أن تلك النتيجة هي من ارهاصات غياب الهوية الوطنية، والبنية الهشة لمؤسسات النظام السياسي، وتمكن الفساد منها، وغياب النضج لدى الفاعلين السياسيين، وهي وغيرها كلها عوامل جوهرية، ولكن ينبغي النظر الى تلك العوامل في ضوء اعتبارين اساسيين:
الاول: ان بناء الهوية الوطنية وتقوية مؤسسات الدولة واقتلاع جذور الفساد هي ليست قرارات سحرية يمكن ان تتحقق بين ليلة وضحاها، وانما هي عملية بناء مستمرة كان ينبغي التأسيس على تراكماتها عبر سنوات طويلة.
الثاني: ان انجاز تلك المتطلبات هي نتاج سلوكيات القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في المشهد العراقي، وعلى نحو تكاملي، مع امتلاك رؤية وطنية مشتركة.
لقد شهد العراق عام ٢٠٠٣ تحولاً جذرياً عن مجمل المراحل السابقة، وكان يمكن أن يمثل الدستور الحد الادنى للرؤية المشتركة المطلوبة، الا أن انقسام القوى السياسية الفاعلة افضى الى ما نحن فيه اليوم.
الانقسامات اصبحت معروفة وعميقة، ولكن الانقسام الابرز هو بين معسكرين، الاول معسكر استحواذي لم يستوعب دروس التاريخ وتصور أنه يستطيع ان يبتلع الدولة العراقية، وآخر واقعي ادرك ان التنافس بين مشاريع عدة لبناء الدولة هو المدخل لبقاءه وتحقيق اهدافه، أي أنه يوازن بين مصلحته الخاصة والمصلحة العامة.
ان استمرار المعسكر الاول بنفس سلوكياته سيقود البلاد بلا شك الى مستوى من الفوضى يتجاوز بمراحل الانتكاسات التي حصلت منذ عام ٢٠٠٦ وحتى الان، وهو ما لن تقف القوى الاخرى الاجتماعية والسياسية مكتوفة الايدي ازاءه، ويبقى القرار بيد الاغلبية الصامتة من الشعب العراقي خصوصا انها ستكون الضحية الاولى له، ولات حين مندم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك